د.حامد برقو عبدالرحمن

(١)

إبن عمي الذي عمل وزيرا سيادياً في عهد الإنقاذ و هو من الإسلاميين الحقيقيين ( اي من الذين لا يكذبون و لا يسرقون و لا يقتلون أو يفرقون بين الناس و لا يحمل جينات من باع الفرقة الاولي مشاة في مدني أو اللواء الاول مشاة في الباقير للغزاة الجنجويد مقابل حفنة من الدولارات)؛

نعم ليس من هذه الشاكلة أو تلك، لكنه عانى كثيرا عندما قرر توظيف الناس في وزارته على الكفاءة و المواطنة المتساوية ( و هو لم يكن ليدري بأنه كان يسبح عكس التيار الذي أعتاد عليه الناس منذ ما قبل الاول من يناير ١٩٥٦م).

الا ان المهني القح و سليل شهداء معركة بئر قرعة و حفيد السلطان عبدالرحمن لم يكترث بما تأتي به خطوته تلك لأن في أقصى و أقسى أحوالها مغادرة الوزارة التي في الأصل لم يسع لها.

و لأول مرة في تاريخ السودان ترسل لجان الاختيار للولايات لإجراء الامتحانات و المقابلات ،لأن ليس بوسع كل المتقدمين الذهاب الي الخرطوم لإكمال إجراءات الإختيار .

بناءاً على توصيات اللجنة القومية المركزية التي أجرت الامتحانات بجميع ولايات السودان ؛ قام الوزير بوضع قائمة بالذين يستحقون التوظيف .

الا انه تفاجأ في اليوم التالي بطلب من قبل جهاز الأمن لإجراء الفحص الأمني للمتقدمين.

كإجراء روتيني قبل الوزير بالأمر .

لكن المفاجأة الصادمة عندما وجد أن جهاز الأمن قد تحفظ على كل أسماء أبناء غرب السودان و الأدق أبناء الهامش السوداني بذرائع الانتماء الي الحركات المتمردة أو الأحزاب المناوئة.

و الأغرب أن الجهاز الموقر قد أتى بأسماء أناس حتى لم يجتازوا الإختبارات .

بهدوئه المعهود و صلابته الفذة مكث الوزير الإنسان لوقت متأخر من الليل بالوزارة حتى تمكن من نشر قائمة الذين يستحقون التوظيف بلوحة اعلانات الوزارة و أيضاً على موقعها الإلكتروني.

(علماً بأن قرار الوزير عنده إعلانه باللوحة لا يمكن نقضه حتى من قبل رئيس الجمهورية الا في حال ثبوت جريمة جنائية بحق الشخص المشمول بقرار التوظيف).

فور نشر القائمة اتصل به مدير جهاز الأمن أنذاك محمد عطا المولى عباس محتجاً . و لا يدري محمد عطا بأنه كان يتحدث الي أحد أقرباء الذين سيأتون للدفاع عن وحدة تراب السودان و كرامة أهله من شاكلة الشهيد عباس أركو مناوي و الشهيد الجنرال الطاهر عرجة( ابن الشهيد عرجة حقار عبيدة) و غيرهم من كرام شهداء معركة الكرامة.

الا أن الوزير أفهمه بأنه هو الوزير و لا يفعل الا ما يرضي رب البشير و ليس عمر البشير نفسه .

تلك أول مرة يتوظف الناس في السودان دون أي معيار جهوي أو سياسي .

(٢)

في اللقاء الذي أجراه الصحفي بكري المدني مع المستشار الاقتصادي لرئيس حركة العدل والمساواة الأستاذ بشارة نور عبدالرحمن ( ابن عم الوزير الانقاذي المذكور أعلاه) ؛ تحدث المستشار عن ضرورة تنفيذ إتفاق جوبا للسلام بين حركات الكفاح المسلح و الشق العسكري من مجلس السيادة بجميع بنوده ، ثم عبر عن عزوفه الشخصي لتولي الوظيفة العمومية ،مفضلاً القطاع الخاص.

و هو الأمر الذي ظللت أكرره للمقربين مني . و أظنني قد قلت أكثر من ذات مرة بأنني انوي تأسيس عمل بالسودان في أجواء مدنية و ديمقراطية بحتة استطيع من خلال ذلك العمل توظيف ألف أو ألفين من الناس على الأقل( و ليس الشباب وحدهم كما يردد البعض ) بذلك أكون قد أديت واجبي تجاه الوطن و الإنسانية. تلك ستكون رسالة حياة و (عند الله القبول).

أردت برمية ال(شو show) أو الإستعرض أعلاه تذكير البعض بأن ليس الجميع يهرول وراء الوزارات و إن توفرت الظروف.

لكن من المهم أن تنفذ العهود كما تواثق عليها الناس.

ليس مناً من احد انما استحقاق و واجب.

(٣)

صحيح أن الجراد الإلكتروني الذي يعمل تحت إمرة شعبة القبائل بجهاز الأمن الوطني و بإشراف مباشر من قبل صلاح قوش ( و من وراء الرجل النبيل الفريق أحمد ال مفضل ) قد كثف من نشاطه منذ تحرير الخرطوم ؛ لكن الواضح أن الكارثة التي ألمت بالسودان لم تغير إدمغة البعض من إخوتنا في الشريط النيلي. ( و قد قلت البعض).

بالنظر الي التعليقات السلبية بحق من تم اختيارهم ضمن الطاقم الوزاري الجديد من أبناء الهامش السوداني ( دارفور، كردفان ، الشرق ، النيل الازرق ، جبال النوبة ) يتضح جلياً حجم الشحن العنصري الذي تعرض له هؤلاء المغيبون عن حال البلاد و خاصة سير العمليات العسكرية بمحاور معركة الكرامة.

الذي يجب أن يعلمه دولة رئيس الوزراء الدكتور كامل ادريس و كذا كفلاء الجراد الإلكتروني ؛ أننا في منتصف معركة وجودية، و هي أولوية قصوى و أن جميع تشكيلاتنا القتالية المكونة للقوات الوطنية تحت إمرة الجيش؛ أساسية لهزيمة الغزاة المحتلين.

(٤)

بصرف النظر عن أحاديث المدينة في بلد أصبحت جميع أسرار حكومته بيد (صحفية واحدة) تحرك من تشاء وقتما تشاء ؛ إلا أن الفحص الأمني لأي شخص بصدد تولى منصب وزاري أمر مطلوب.

لكن كل مخاوفنا المشروعة أن يتحول ذلك الفحص الي اخر جهوي أو قبلي كما ظل يمارس منذ ١٩٥٦م حتى قيام ثورة ديسمبر الشعبية عام ٢٠١٩ و التي أختطفتها أحزاب القحت المجهرية لغياب المظلة السياسية عن شباب الثورة.

زيارة الدولة العبرية أو العيش بها في سنوات الاضطهاد الجهوي في السودان عمل إضطراري لا غبار عليه

كما أن رئيس مجلس السيادة و قائد الجيش الفريق أول البرهان نفسه قد قابل رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو في كمبالا، و لا يمكن وصف ذلك اللقاء عمالة.

في البلد الذي أصبح فيه مبارك الفاضل بجميع كوارثه و موبقاته التاريخية و الحالية مساعداً لرئيس الجمهورية؛ لا يجب أن تتوقف سيرة المناضل الجسور و الوطني نور الدائم طه عند الفحص الأمني أو حتى القبلي أو الجهوي .

فطام من رضع من الحكم لوحده لأكثر من سبع عقود أمر يصعب تحقيقه بسهولة و يسر .

لذا نرى البعض يخذل هنا و يصرخ هناك ، مطالبا بتشغيل ماكنة الإقصاء و إن تعذر فالي الانفصال .

هذا الوطن يسعنا جميعاً في أجواء من الإخاء و الرخاء و الإنصاف.

من لا يحتمل العيش مع أبناء وطنه تحت سقف واحد من المساواة و الندية ؛ يمكنه التوجه إلى شمال الوادي حيث مازالت وظائف أسلافه شاغرة هناك.

لكن لا ظلم و لا انفصال شبر من السودان بعد اليوم.

لذا من الأفضل لنا و لكم و للوطن في هذا المنعطف أن تخفضوا حجم السخف .

قد بلغتكم ..!!

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.