لا تزال مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان الواقعة في غربي السودان تئن تحت وطأة النزوح المستمر الذي لم يتوقف منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 .
التغيير فتح الرحمن حمودة
و على الرغم من أن الأبيض استقبلت على مدار الشهور الماضية مئات الأسر الفارة من مناطق الاشتباكات عادت المدينة لتستقبل في الأسابيع الأخيرة موجة جديدة من النازحين إذ وصلت إليها ما يقارب “300” أسرة من منطقة علوبة أم صنقور بعد أن تعرضت لهجوم عنيف من قوات الدعم السريع صاحبته انتهاكات جسيمة بحق المدنيين شملت القتل والنهب ومنع دفن الجثث و ذلك بحسب شهود عيان تحدثوا لـ «التغيير».
و قالت «أ.م» و هي امرأة ثلاثينة لـ «التغيير» : خرجنا من «علوبة أم صنقور» قبل الفجر بقليل و لم نحمل شيئا سوى أجسادنا المتعبة وبعض الماء في قوارير بلاستيكية حافين الأقدام وكنا نسمع الطلقات من الخلف وصرخات الجيران في العتمة مشينا أكثر من «24» ساعة و نحن نبحث عن الأمان .
و يروي أحد شهود العيان تحفظ على ذكر اسمه لـ «التغيير» لأسباب أمنية لجهة أن بعض من أسرته مازال في مناطق نفوذ الدعم السريع، وقال إن ما حدث في علوبة أم صنقور الشهر الماضي بعد أن دخلت قوات الدعم السريع المنطقة بشكل مباغت وشنت هجوما شرسا على السكان المدنيين ما أجبر مئات العائلات على الفرار تاركين منازلهم وممتلكاتهم خلفهم.
و قال الشاب كان الهجوم منظما لم يكن عشوائيا حيث دخلوا المنطقة ومعهم معلومات و يبدو أنهم تلقوها من متعاونين محليين واتهموا السكان بدعم الجيش السوداني وتقديم معلومات استخباراتية عنهم.
وأضاف :إن القوات داهمت خلوة لتحفيظ القرآن الكريم حيث كان يتعلم الأطفال من سن السادسة إلى السادسة عشرة وتم استجوابهم تحت تهديد السلاح وسئلوا “هل أنتم مع الجيش؟ هل تنقلون له الأخبار؟”.
و يمضي الشاب في حديثه قائلاً : لاحقا امتد الهجوم إلى سوق المنطقة حيث قامت القوات بنهب المحال التجارية وتدمير الممتلكات وسرقة أموال التجار.
ووفقا لروايات عديدة لمواطني قرية «علوبة أم صنقور» فإن قوات الدعم السريع منعت السكان حتى من دفن قتلاهم وأطلقت الرصاص الحي في محيط المقابر لترهيب من يحاول تنفيذ الدفن.
ويقول :بعد هذا التهديد الصريح بدأ السكان رجالا ونساء وأطفالا رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر نحو مدينتي الرهد والأبيض و استخدموا ما توفر من وسائل بدائية مشياً على الأقدام أو عبر عربات “تكتك” محلية و عربات “الكارو” التي تجرها الحمير و يضيف :”البعض سار ليوم كامل دون توقف على أمل النجاة فقط”.
و و أوضح أنه بمدينة الأبيض استقبلتهم المدينة المنهكة بمراكز إيواء مكتظة حيث كانوا أكثر من”300″أسرة إي نحو ألف نازح وجدوا أنفسهم يتشاركون في شرب المياه من “قربة بلاستيكية” واحدة لا تتجاوز سعتها “25” برميلا ويستخدمون أربعة حمامات فقط وسط ظروف إنسانية وصحية متدهورة.
و بحسب متابعات «التغيير» فإن هناك صعوبة متزايدة في الوصول إلى معلومات دقيقة عما يجري داخل مدينة الأبيض خصوصا في ما يتعلق بأوضاع النازحين بسبب القيود الأمنية المشددة التي فرضتها سلطات الولاية إذ تنتشر القوات بكثافة في مختلف أنحاء المدينة بما في ذلك مراكز الإيواء والمرافق الصحية مما يخلق مناخا من الترهيب والصمت الإجباري.
و في يونيو الماضي كانت قد سيطرت قوات الدعم السريع على منطقة «علوبة أم صنقور»ا لواقعة جنوب غرب مدينة الرهد بولاية شمال كردفان بعد معارك شرسة دارت بين الدعم السريع و بين الجيش السوداني و المجموعات المتحالفة معه ما أجبر العشرات من سكان المنطقة إلى الفرار لمناطق مجاورة .
ومع اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى منتصف ابريل 2023م شهدت ولاية شمال كردفان مواجهات عسكرية دامية بين طرفي القتال ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وسط المدنيين جراء القصف العشوائي المتبادل.
ومنذ 15 أبريل الماضي تحاول قوات الدعم السريع فرض سيطرتها الكاملة على الولاية، فيما يواصل الجيش حماية قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمواقع الاستراتيجية الواقعة بالأبيض حاضرة الولاية ومدن أخرى.
وتتمتع شمال كردفان بموقع استراتيجي غربي البلاد حيث تحتضن حاضرتها الأبيض أكبر سوق لمحصول الصمغ العربي على مستوى العالم وأسواق أخرى للمحاصيل والماشية إلى جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات غرب السودان المختلفة.
المصدر: صحيفة التغيير