يحمل عبد الغني شعت (18 عاما) هاتفه النقال ويدور في المستشفيات والأماكن التي تتعرض للقصف، بمدينة غزة، يعرض صورة توأمه محمد الذي اختفت آثاره في الثامن عشر من أبريل/ نيسان الماضي، ويسأل كل من يصادفه إذا ما رآه في مكان ما او بين الشهداء.
لم تذق عائلة محمد طعم النوم مذ أن خرج ابنهم من ملجأ نزحوا إليه في البلدة القديمة من مدينة غزة. أبلغوا المؤسسات ونشروا صوره على منصات التواصل الاجتماعي فيما شقيقته الطبيبة سلوى تركز جهودها على البحث في ثلاجات الموتى في المستشفيات، كما قالوا لمراسل وفا.
ويخرج عبد الغني لوحده يبحث قرب الأماكن المستهدفة وأحيانا يرافق أمه أو أبيه في رحلة البحث التي يلزمها تحرك متواصل في شوارع غزة رغم خطورته.
“آخر مرة خرج فيها كان يرتدي بلوزة مع قبعة “هودي” سوداء وبنطلون رياضي كحلي مع خطين أبيضين على الجانبين وشبشب بلاستيكي رمادي اللون”، قال عبد الغني.
ويضيف: “كل حياتنا متلاصقين وفي الحرب كنا نراجع دروسنا تحضيرا لامتحانات ثانوية عامة متوقعة، منذ غيابه لم اعد أستطيع ذلك”.
ويتابع: أن حياته أصيبت بالشلل بعد غياب أخيه وبات يشعر بغربة، فكلما رأى ملابسه وأحذيته يشعر بانهيار ويدق قلبه بقوة.
ويشهد قطاع غزة حرب إبادة قتل فيها الاحتلال زهاء 60 ألف مواطن (حتى تاريخه) كما يشهد ظاهرة اختفاء الآلاف من المواطنين، شبان ونساء وأطفال وكهول، دون أن يتبين لهم أثر.
وكشفت إحصائية غير نهائية لوزارة الصحة اختفاء أكثر من 10 آلاف مواطن منذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023.
وأفاد مصدر في الوزارة إن هذا الرقم تقديري وغير نهائي ويتضمن شهداء تحت الركام أو في مقابر جماعية دفن الاحتلال فيها مواطنين أو أسرى أو مفقودين لم يُعرف مصيرهم.
وقالت منى شعت والدة محمد، إنها لن تستسلم ولم تتوقف عن البحث عن محمد في أي مكان حتى في مناطق خطرة يصنفها الاحتلال على أنها حمراء.
وأضافت أنه منذ غيابه توجهت للكثير من المباني التي تعرضت للقصف في حي الشجاعية القريب منها رغم أن الحي لا يزال تحت هجوم بري وجوي.
“أنا لا أعرف هل هو شهيد قتله الاحتلال أو أسير أو غير ذلك نحن لا ننام الليل نرقب أي خبر ننام نبكي ونصحو نبكي،” قالت منى.
وتتنقل الوالدة في شوارع المدينة مشيا إما لسؤال أكبر قدر من المارة أو لصعوبة المواصلات وتكلفتها العالية، فاستئجار مركبة لمدة ساعتين سيكلف 370 شيقلا أي نحو (110 دولار) في ظل شح السيولة المالية والوقود بسبب الحصار الإسرائيلي.
وأشارت إلى أنها كانت تحرص هي وزوجها على تربية أبنائها أفضل تربية وأفضل تعليم ونزحوا خلال الحرب 8 مرات حفاظا عليهم وفجأة يختفي أحدهم دون تفسير هذا أمر فوق أي طاقة تحمل.
“كل يوم صباحا نصحوا نفتش في ثلاجات الجثث في المستشفيات، نراقب أسماء الشهداء الذين تقتلهم قوات الاحتلال وجثث يتم انتشالها ولم نجد له أثر،” قالت والدته “منى” لمراسل وفا.
أما الوالد، رشيد شعت (52 عاما) فلم يكن يترك أي مكان متوقع إلا وفتش فيه حتى تحت إطلاق النار والقذائف ولم يوقف التواصل مع منظمات دولية للإبلاغ عن اختفاء نجله.
وأضاف أنه فتش عليه في كل مكان يخطر على بال بشر، “توجهت شمالا في جباليا تحت القصف لأنني سمعت أن هناك شهداء وجرحى جراء استهداف الجوعى منتظري المساعدات لم أجد له أثرا، وابحث في مدارس وخيام النزوح” قال شعت.
وأشار أنه أبلغ المنظمات المعنية الحقوقية المعنية مثل منظمة الصليب الأحمر وغيرها وهيئة شؤون الأسرى أملا في العثور على أي معلومة سواء كان على قيد الحياة أو شهيدا.
“طواقم طبية نعرفهم من أطباء وإداريين وممرضين حتى البائعين المتجولين على أبواب المستشفيات زودتهم بصورة إبني ورقم الهاتف عل وعسى.”
ليس فقط العائلة، بل أيضا أصدقاء وأقارب كلهم توزعت عليهم صورة محمد ويبحثوا في مخيمات النزوح وأي مكان يتعرض للاستهداف.
“لي أقارب في الجنوب يبحثون في مناطق النزوح في المواصي ومستشفيات الجنوب وأحيانا أتوجه هناك، لكن تركيزي في غزة وشمالها،” قال رشيد.
أما الدكتورة سلوى، شقيقة محمد، فهي متطوعة في مستشفى الشفاء بالمدينة وكل يوم تفتش في جثامين الشهداء الجدد أو الذين يتم انتشالهم من بين الركام.
وتتنقل سلوى بين المستشفيات في كل مرة تعرف أن هناك جثث لم يتم التعرف عليها ووزعت صورة شقيقها على زملائها في الطواقم الطبية لإبلاغها بأي جديد.
وقال رشيد شعت إنه نشر صورة نجله على مجموعات خاصة بالمفقودين والغائبين على منصات التواصل الاجتماعي ولم يتلق ردا.
وتنتشر آلاف المناشدات على منصات التواصل الاجتماعي للمساعدة في العثور على طفل أو شاب أو كهل اختفت آثارهم خلال قصف إسرائيلي لمناطق مأهولة أو خلال نزوح اجباري سريع تحت القصف.
وتعثر العائلات على المفقودين سواء عند إحدى العائلات التي آوتهم مؤقتا أو ضمن رفات شهداء تحت اسم “مجهول”، أو يتضح أنه ضمن قوائم أسرى اختطفهم الاحتلال أو على سرير علاج في مستشفى.
وقال مدير التوثيق في هيئة شؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة، إن الاحتلال اعتقل ما يزيد على 12 ألفا من المواطنين في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
“الرقم غير نهائي فالاحتلال يرفض الكشف عن أعداد أو أسماء المعتقلين لا للسلطة الفلسطينية ولا حتى لمؤسسات حقوقية دولية،” قال فروانة لمراسل وفا.
وأضاف فروانة أن الأسرى تم اعتقالهم على حواجز نصبها الاحتلال بين مناطق القطاع واعتقل المواطنين خلال نزوحهم أو اختطفهم من بيوتهم والشوارع وهناك خطر على حياتهم جراء التعذيب.
وقالت منى شعت إن السلاح الأقوى بيدها هو فقط الأمل والدعاء، فهي تأمل أن تجده على قيد الحياة أو على الأقل أن تسمع أنه أسير. أما عبد الغني فيأمل أن يجد توأمه ليواصلا متابعة دروس الثانوية العامة عبر التعليم الالكتروني ولإكمال تعليمهم الجامعي خارج غزة في حال انتهاء العدوان وفتح المعابر.