تعرف مجموعة من الفضاءات العمومية انتشارا متزايدا لإعلانات وإشهارات مكتوبة بـ”الدارجة”، سواء في الحملات التوعوية أم المواد الترويجية؛ وهو ما قسم المتفاعلين إلى فئتين: فئة لا ترى مانعا في توظيف عبارات مبسطة لتسهيل إيصال الرسائل إلى العموم، وأخرى تؤكد على ضرورة احترام الطابع الرسمي للغة العربية في الفضاء العمومي، خاصة خلال فصل الصيف الذي يشهد إقبالا كثيفا من الزوار من مختلف الفئات والمناطق.

بساطة وفعالية

شهدت عدد من الشواطئ المغربية ظهور لافتات تحسيسية مكتوبة بـ”الدارجة”، تدعو المصطافين إلى احترام نظافة الشاطئ والحفاظ على مياه البحر؛ وهو ما أثار انتباه الزوار الذين تفاعلوا مع هذه العبارات الترفيهية، معتبرين أنها “أكثر قربا من لغتهم اليومية، وأكثر قدرة على إيصال الرسائل بأسلوب خفيف ومباشر”.

واعتُبر توظيف الدارجة في هذه الإعلانات “اختيارا موفقا”، خاصة أن العبارات جاءت ساخرة أحيانا ومليئة بروح الدعابة؛ ما جعلها تنتشر بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن دعمهم لهذا الأسلوب الذي يجمع بين الجدية في المضمون والطرافة في الشكل، من بينها “حاوْلُوا عْلى التّجْهيزاتْ من التكَرْفيصاتْ”، و”حاوْلُوا عْلى الرّْمِيلَة من الزّْبِيلَة”، و”حاوْلُوا عْلى المِّيجَاتْ من الوْسيخَاتْ”.

ويرى عدد من المتفاعلين مع هذا النوع من الإعلانات أن “استعمال الدارجة في فضاءات ترفيهية كالشواطئ ينسجم مع طبيعة المكان وأجوائه، ولا يُعد تقليلا من مكانة اللغة العربية؛ بل أسلوبا عمليا لبلوغ أهداف التوعية، من خلال اعتماد لغة قريبة من الناس وسهلة الفهم، تحقق التأثير المطلوب دون تكلف أو تعقيد”.

تشويه اللغة

قال الشرقي نصراوي، أستاذ التعليم العالي في السيميائيات وتأويل الخطاب، إن “اللغة إذا كانت وسيلة من وسائل التواصل، فإنه ينبغي أن نحافظ على سلامتها في الفضاءات العامة والإشهارية؛ ذلك أن تشويه هذه اللغة وإدخال تعديلات فونيمية عليها يجعل المتلقي ينفر من الكلمات وتصدمه هذه اللغة على مستوى اللحن”.

وأضاف نصراوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “على أصحاب المحلات والمجالس التي تمنح التراخيص مراعاة سلامة الأسماء التي بالضرورة يجب أن تكون نابعة من المجتمع المغربي ومن فلسفته المجتمعية، وأن لا تكون غريبة عن بيئتنا وتربية أجيالنا”.

وقال الأستاذ الجامعي: “كثيرا مانندهش من أسماء بعض المحلات التجارية ومن محتوى اللغة التي تسمي بها بعض المأكولات؛ مما يجعل الزبون في حيرة على مستوى تلقي هذه القضايا من جهة، وعلى مستوى معرفة الطابع العام الذي يتحكم في هذه الاختيارات من جهة ثانية”.

وأكد المتحدث أن “ذوق اللغة كلما كان ملائما ومناسبا كلما كانت القصدية حاضرة على مستوى بنيات التواصل وعلى مستوى المعارف العامة التي تحملها هذه اللغة على مستوى الوعي الجمعي”، منبها إلى أن اللغة العربية تتعرض لهجوم ممنهج من لدن الكثيرين؛ إما تعصبا أو هروبا للحداثة المزعومة على مستوى التسمية باللغات الأجنبية. وهذا يدل على أن البعض ما زال غير قادر على تحصين نفسه من الرياح الهوجاء التي تعصف به”.

وشدد الشرقي نصراوي على أن “اللغة العربية في الفضاء العام يجب أن تتحول إلى مصدر فخر وأيقونة يتعلم منها الأطفال؛ لأنها لغة الأسرة والمدرسة والفضاء العام. ويجب أن تسكن هذه اللغةُ الجميعَ بالانتماء إليها قلبا وقالبا، وأن يتدخل الجميع لتحويل اللغة إلى عوالم للهوية التي يُتعايشُ معها بكل جذورها وعلاماتها”.

وبخصوص إعلانات التحسيس التي تستعين بالدارجة، أشار نصراوي إلى أن “مثل هذه الإعلانات تقدم مظهرا لغويا سطحيا، وتعكس على المستوى العميق الحالة المزرية التي وصلت إليها أدوات التواصل بين المتكلمين داخل مجتمع ما”، داعيا المجالس الجماعية المعنية بهذه اللافتات إلى “منع أي كتابة أو إعلانات لا تراعي الخلفيات اللغوية في كل مظاهرها”.

المصدر: هسبريس

شاركها.