يشهد ملف توزيع المساعدات الإنسانية في ولاية الخرطوم تجاوزات واسعة وتدخلات سياسية وإدارية أضعفت من فعاليته وأثارت موجة من الاستياء الشعبي. فعلى الرغم من انطلاقة تجربة أولى وُصفت بالنموذجية في مارس الماضي، إلا أن التدخلات اللاحقة من جهات حكومية ومحلية حوّلت العملية إلى مشهد من الفوضى والتمييز، وسط اتهامات بالفساد وسرقة المساعدات وتهميش المستحقين الفعليين.
الخرطوم: التغيير
بلغت حصة الفرد الواحد من المساعدات الإنسانية التي يقدّمها برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، والموجهة لعشرة ملايين سوداني، بواقع 7140 جراماً (أكثر من 7 كيلو) من الدقيق، 450 مل من الزيت (حوالي نصف لتر)، 1020 جراماً من العدس (أكثر من 1 كيلو)، و150 جراماً من الملح.
وبحسب ما علمت (التغيير) تقرر تنفيذ تجربة أولية لتوزيع هذه المساعدات في أطراف ولاية الخرطوم، شملت محلية جبل أولياء، وحدة وادي سوبا الإدارية، وحدة الوادي الأخضر، ومحلية كرري، واستهدفت نحو 40 ألف فرد.
فيما اعتمد المخطط منظمة “نداء التنمية السودانية”، التي يترأسها وزير التجارة الأسبق مدني عباس والذي تولى المنصب بدفع من منظمات المجتمع المدني كشريك وطني للبرنامج.
تجربة ناجحة
وأكدت متابعات (التغيير) أن التجربة الأولى نُفذت في مارس الماضي عبر منظمة “نداء”، التي استعانت بعدد من المتطوعين من التكايا وغرف الطوارئ، واعتُبرت التجربة نموذجاً في الشفافية والتنظيم؛ إذ جرى اختيار المستفيدين من خلال لجان مجتمعية مستقلة تمثل المجتمعات المحلية، كما أُعلن عن مراكز التوزيع بوقت كافٍ، وتم عرض محتويات السلة وأوزانها في لافتات بمراكز التوزيع، إلى جانب توفير صناديق للشكاوى والمقترحات، وتعيين مسؤولين لتلقيها.
كذلك تم تجهيز أغلب المراكز لاستقبال المستفيدين بتوفير الظل، وحافظات مياه، ومراحيض، وكشوفات مسبقة لتسهيل التحقق، إضافة إلى عدد كافٍ من العمال والمتطوعين لتيسير عملية استلام المساعدات.
تدخل حكومي وانتهاك للاستقلالية
لاحقاً، تدخل مكتب الإجراءات التابع لمفوضية العمل الطوعي والإنساني، ووجّه منظمة “نداء” بفصل معظم العاملين الذين تم توظيفهم، بسبب انتمائهم لغرف الطوارئ أو لعدم موالاتهم لحكومة بورتسودان، في انتهاك واضح لمبدأ استقلالية العمل الطوعي والإنساني. وتجاوزت المفوضية دورها القانوني الذي ينحصر في الإشراف، لتتدخل في تفاصيل التنفيذ، حتى وصل الأمر إلى تدخل موظفيها في كافة الإجراءات.
في مرحلة لاحقة، أوكلت مهمة توزيع المساعدات الإنسانية إلى المحليات ولجان الاستنفار والمقاومة الشعبية، الأمر الذي رافقته مظاهر من الترهيب والإذلال للمواطنين. ووفقاً لشهود تمت مخالفات واضحة للأوزان التي يشترطها برنامج الغذاء العالمي، حيث تم تسليم بعض الأسر جوالات دقيق زنة 25 كيلوغراماً، دون مراعاة لعدد أفراد الأسرة، ما يخالف سياسات البرنامج.
تجاوزات وإغلاق مراكز
وذكر مستفيدون من المساعدات الإنسانية لـ (التغيير) أن تجاوزات عديدة في هذه المرحلة التي اتسمت بتدخلات رسمية متعددة، من أبرزها إغلاق معظم مراكز التوزيع في الوحدات الإدارية، والاكتفاء بمركز واحد لكل وحدة، ما أدى إلى ازدحام شديد.
وكذلك التلاعب بكروت التوزيع، إذ وُزعت على أسر وأصدقاء المنظمين وأعضاء اللجان الأمنية، وشوهدت بعض الأسر تحمل أكثر من كرت، خلافاً للنظام الذي يمنح كل أسرة كرتاً واحداً.
بجانب سرقات ونقل للمساعدات فوق الأسوار في عدد من المراكز، واستبعاد مستحقين حصلوا على مساعدات في مارس رغم انطباق المعايير عليهم (أرامل، مطلقات، كبار سن، أيتام، معاقين)، في مقابل منح المساعدات لأشخاص وصلوا في سيارات فارهة.
وأدى هذا الوضع بحسب متابعات (التغيير) إلى رفض عدد من لجان الأحياء استلام حصة يونيو، بعد تعرضهم لضغوط من المواطنين الغاضبين.
تهديد وحرمان للأسر
وفي تطور لافت، رفضت محلية الخرطوم منح الأسر حصصها كاملة في منطقة الديوم الشرقية، ما دفع سكان حي ديم القنا شمال وجنوب إلى رفض استلام الإغاثة ما لم تشمل كل الأسر، في وقت حاول فيه المسؤولون التفاوض على تقليص الحصة دون جدوى، فيما هدد أحد المسؤولين بنقل الإغاثة إلى منطقة أخرى، مدعياً أن الرافضين “شبعانين”.
من جانب آخر، توشك التكايا في الخرطوم بحري على التوقف، بعد قرار برنامج الغذاء العالمي بوقف دعمه لها، على أن يتولى هو بنفسه توزيع المساعدات عبر أسطول من الشاحنات، إلا أن ذلك لم يتم بسبب تأخر التصاريح من المحلية. ووفقاً لناشطين، فإن المحلية والمفوضية قررتا منع أي توزيع للمساعدات دون الحصول على موافقة مسبقة منهما.
المصدر: صحيفة التغيير