تشهد مدينة تنجداد، التابعة لإقليم الراشيدية، حراكا عمرانيا لافتا تمثل في مشاريع بنيوية حديثة كـتعبيد الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين الراشيديةورزازات التي تعبر قلب المدينة، وتركيب أعمدة الإنارة العمومية، وتزفيت الأزقة، وتفعيل إشارات المرور الضوئية لتنظيم حركة السير.

ورغم أن هذه الجهود لاقت استحسانا أوليا من السكان، إلا أن واقع التهميش وغياب المرافق الأساسية لا يزال يلقي بظلاله على المشهد العام، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى فعالية هذه التغييرات في تحسين جودة حياة السكان.

معاناة يومية 
يعاني سكان تنجداد من غياب شبه كلي لمرافق حيوية أساسية. فغياب الوقاية المدنية ومفوضية للشرطة يدفعهم إلى قطع مسافة تزيد عن 20 كيلومترا نحو مدينة كلميمة لقضاء أبسط أغراضهم الإدارية أو الاستفادة من الخدمات الأساسية. وتتفاقم المعاناة الصحية جراء الافتقار لمستشفى مجهز، مما يجبر المرضى على التوجه إلى الراشيدية في ظروف مرهقة، وهو ما يثقل كاهل الأسر محدودة الدخل.

كما تفتقر المدينة بشكل حاد إلى فضاءات ترفيهية وثقافية موجهة للأطفال والشباب، مما يحد من خياراتهم للترويح عن النفس ويعمق شعورهم بالعزلة والتهميش. وقد عبرت الساكنة عن استيائها أيضا من تركيب إشارات المرور الضوئية قبل استكمال الأرصفة وممرات الراجلين، معتبرين ذلك تهديدا مباشرا لسلامتهم، خاصة في ظل انتشار القيادة المتهورة للدراجات النارية.

جفاف وتصحر
تفاقم تضاريس المنطقة الجبلية وموقعها الجغرافي من معاناة تنجداد جراء الجفاف والتصحر، ما أثر سلبا على الموارد المائية وتسبب في تراجع إنتاج التمور والنشاط الفلاحي بشكل عام. وتزداد حدة الوضع صيفا مع درجات الحرارة المرتفعة، في ظل غياب متنفسات بيئية كالحدائق والمسابح والمراكز الثقافية. ويؤكد فاعلون محليون أن التوسع العمراني المتسارع نتيجة موجات النزوح يستدعي توفير مرافق وخدمات تراعي هذا النمو الديموغرافي.

صراعات عطلت التنمية
أقر الفاعل الجمعوي محمد هروان بأن البنى التحتية في جماعتي فركلة العليا وتنجداد شهدت تطورا ملحوظا مؤخرا، شمل الطرقات، القناطر، الإنارة العمومية، والمراكز الثقافية، وملاعب القرب. لكنه لم يتردد في الإشارة إلى أن هذه الإنجازات “جاءت متأخرة بسبب صراعات سياسية وقبلية حالت دون تقدمها في الوقت المناسب”، قائلا: “فوقما جا الخير انفع”.

ويرى هروان في تصريح لجريدة “العمق” أن الرهان الحقيقي يكمن في إشراك المجتمع المدني في تفعيل هذه البنى التحتية، وخاصة الثقافية منها، لما لها من دور في تعزيز الوعي المدني وتطوير المنطقة، داعيا إلى إنشاء ساحة عمومية رئيسية للباعة المتجولين وأصحاب المشاريع الصغيرة، مقترحا موقع محطة سيارات الأجرة الحالي لهذا المشروع. كما دعا إلى مشروع كورنيش تنجداد يضم فضاءات سياحية، حديقة حيوانات، ومتاحف تحافظ على الذاكرة المحلية.

نداءات عاجلة
في سياق متصل، شدد هروان على ضرورة بناء مراكز استقبال للسياح ومسابح ذات جودة وبأسعار مناسبة، إلى جانب إحداث مشاريع مدرة للدخل، ومراكز للتكوين المهني، بل وحتى كلية لتأهيل العنصر البشري، لما لذلك من أثر في الحد من الهجرة القسرية التي تستنزف شباب المنطقة.

وعبرت مواطنة من تنجداد لجريدة “العمق” عن عمق المعاناة، قائلة: “تنجداد تعاني من تهميش واضح، في ظل غياب المرافق الترفيهية والفضاءات الخضراء، كما أن غياب الوقاية المدنية يضطر السكان للانتظار طويلا في حال نشوب حرائق، حتى تأتي فرق الإطفاء من كلميمة التي تبعد حوالي 20 كيلومترا”. وأشار مواطن آخر إلى خطورة غياب المسابح، ما يدفع الأطفال والشباب إلى التوجه للسدود أو الصهاريج المائية، وهي أماكن غير آمنة قد تودي بحياتهم.

وعلى الرغم من هذا الواقع المرير، ختمت إحدى بنات المدينة حديثها بتفاؤل، مؤكدة: “تنجداد، رغم التهميش، لا تزال منبعا للكفاءات التي تُشرف الوطن داخل البلاد وخارجها”، مشددة على أه “آن الأوان لإنصاف هذه المدينة واحتضان طاقاتها المتألقة.”

المصدر: العمق المغربي

شاركها.