يواجه المهندسون الغابويون، باعتبارهم الركيزة الأساسية للوكالة الوطنية للمياه والغابات، أزمة متفاقمة تهدد مستقبلهم المهني ووضعيتهم القانونية.ومع حلول شهر يوليوز 2025، دخل النزاع بين هؤلاء الأطر والإدارة الوصية مرحلة حرجة، على خلفية مرسوم بقانون جديد يفرض الإدماج التلقائي داخل الوكالة، دون إشراك ممثلهم الشرعي في الحوار، ما يثير مخاوف عميقة بشأن مصير هذا الجسم المهني السيادي.

ويعيش موظفو الوكالة الوطنية للمياه والغابات حالة من الترقب والقلق مع اقتراب انتهاء المهلة القانونية المحددة بثلاث سنوات، وفقا لما تنص عليه المادة 18 من القانون رقم 52.20، والتي تتيح لهم خيار الإدماج داخل الوكالة أو العودة إلى القطاع المكلف بالفلاحة.

وتعود جذور الأزمة بالقانون رقم 52.20، المُحدث للوكالة، الذي صنّف العاملين فيها كمجرد “مستخدمين” بدل “موظفين عموميين”، قبل أن يتأجج الوضع بعد صدور المرسوم بقانون رقم 2.25.302، الذي ألغى حق الاختيار في الالتحاق بالوكالة، وفرض الإدماج التلقائي ابتداء من يناير 2026.

إقرأ أيضا: غموض مصير موظفي المياه والغابات يرفع مطالب تدخل البواري

واعتبرت جمعية خريجي المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين هذا التعديل “تراجعا خطيرا عن مبدأ الحق في الاختيار”، مؤكدة أن من شأنه المس بالاستقرار المهني والنفسي لمئات المهندسين الذين يرفضون التخلي عن صفتهم كموظفين عموميين.

وفي تصريح لجريدة “العمق”، أوضحت رئيسة الجمعية أمال اتسولي فاروخ، أن الموقف الرافض لا يتعلق فقط بانتماء إداري، بل يمس جوهر المهام السيادية للمهندس الغابوي، الذي يتلقى تكوينا يجمع بين التأهيل الهندسي والتدريب العسكري، ويضطلع بمهام الضابطة القضائية، ويحمل السلاح في إطار تنسيق مباشر مع الدرك الملكي والأجهزة الأمنية، ما يجعله قانونيا خارج إطار العمل النقابي. ومن ثم، تظل الجمعية الإطار التمثيلي الوحيد والشرعي لهؤلاء الأطر.

استنادا إلى هذه الصفة، رفعت الجمعية بتاريخ 28 ماي 2025 ملتمسا إلى رئيس الحكومة تطالب فيه بالحفاظ على صفة “الموظف العمومي”، والتنصيص على الطبيعة السيادية للمهنة، مع الإبقاء على الطابع الطوعي للإدماج، وضمان إمكانية العودة إلى الوزارة الوصية، إلى جانب مراجعة النظام الأساسي للوكالة وفق مقاربة تشاركية.

وضمن ملتمسها لرئاسة الحكومة الذي اطلعت علهي جريدة “”، اعتبرت الجمعية أن هذه الوضعية الاستثنائية تضع الدولة أمام مسؤولية مضاعفة لحماية كرامة المهندسين الغابويين، وضمان حقوقهم ومكتسباتهم القانونية والمهنية.

إقرأ أيضا: المعارضة ترفض الإدماج “القسري” لموظفي وكالة المياه والغابات وتستنكر “الإقصاء وغياب العدالة”

وتأتي هذه المطالب في ظل ما وصفته الجمعية بـ”الجمود المؤسسي” الذي يطبع الحوار مع الوكالة، المتوقف منذ آخر لقاء رسمي بتاريخ 13 فبراير 2025. ورغم تعهدات وزير الفلاحة باستمرار المشاورات وفق منهج تشاركي يضمن الاستقرار المهني والاجتماعي، إلا أن الجمعية نددت، في بلاغ صادر بتاريخ 17 يونيو 2025، باستمرار تغييبها عن هذا الحوار، معتبرة ذلك “خرقا واضحا لمبادئ الشفافية المعلنة”.

وفي البلاغ ذاته، عبرت الجمعية عن أسفها لإقصائها من المشاورات المرتبطة بالنظام الأساسي، مشيدة في الآن ذاته بخطوة معالجة بعض طلبات إنهاء الإلحاق، لكنها نبهت إلى أن القرار لم يشمل جميع الحالات، مطالبة بإنصاف كافة المتضررين.

كما شددت الجمعية على ضرورة الحفاظ على التعويضات التاريخية، وفي مقدمتها تعويضات التشجير والاستغلال الغابوي، والتي اعتبرتها “هبة ملكية سامية من الملك الراحل الحسن الثاني”، تتجاوز قيمتها الرمزية البعد المالي، داعية إلى اعتماد معايير شفافة في تدبير الحركية الإدارية المقبلة، وضمان إشراكها في ورش “فصل المهن”، حتى يكون منسجما مع واقع المهام الميدانية.

وختمت رئيسة الجمعية بالتأكيد على أن استمرار غياب حوار جدي ومسؤول، يضع المهندس الغابوي أمام مفارقة خطيرة: فهو مسؤول عن تنفيذ مهام سيادية دقيقة، لكنه محروم من صفة الموظف العمومي، وممنوع من التمثيل النقابي، في وقت يتم فيه تغييب إطاره التمثيلي من دوائر القرار.

.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.