حذّر أطباء من المخاطر الصحية والنفسية المرتبطة باستنشاق غاز الهيليوم، والذي بات يُستخدم بشكل متزايد في الأوساط الترفيهية والمناسبات الاجتماعية، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين، بهدف تغيير نبرة الصوت أو بدافع الفضول والمزاح الجماعي.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن استنشاق غاز الهيليوم بشكل ترفيهي وعشوائي، قد يسبب تسع مخاطر صحية ونفسية وجسيمة، تشمل «الدوار المفاجئ، ونقص الأوكسجين في الجسم (نقص التأكسج)، وفقدان الوعي، والاختناق أو الانهيار التنفسي، والوفاة المفاجئة في الحالات القصوى نتيجة نقص الأوكسجين أو الصدمة الهوائية، وتمزق الحويصلات الهوائية في الرئتين، وانسداد هوائي في الأوعية الدموية، وارتجاجات دماغية أو إصابات جسدية نتيجة السقوط بعد الإغماء، ومخاطر نفسية وسلوكية كضعف الإحساس بالمسؤولية الجسدية و(الإدمان المؤقت) المرتبط بالتحديات على منصات التواصل وتأثير الأصدقاء».

وأكّدوا أن هذا السلوك الذي يبدو في ظاهره بسيطاً ومضحكاً، ينطوي في الحقيقة على تهديد مباشر لصحة الجهاز التنفسي، وقد يؤدي إلى مضاعفات حادة أو حتى حوادث خطرة، داعين إلى التوقف الفوري عن التعامل مع الهيليوم على أنه وسيلة للترفيه، كونه يُشكّل خطراً مضاعفاً على المصابين بأمراض صدرية مزمنة، مثل الربو، بجانب تأثيره في الأطفال ذوي السعة الرئوية المحدودة، ما يجعل استنشاقه أكثر تهديداً لصحتهم.

وأشاروا إلى حالات واقعية استقبلتها أقسام الطوارئ نتيجة استنشاق غاز الهيليوم، شملت أطفالاً ومراهقين تعرّضوا لانهيارات مفاجئة أثناء إحدى الحفلات. ودعوا إلى حظر استخدام الهيليوم العشوائي، وتقييد تداوله خارج الأطر المهنية والطبية، مع تشديد الرقابة على بيعه.

وتفصيلاً، حذّر أخصائي أمراض الرئة، الدكتور عاصم عيد يوسف، من المخاطر الصحية الخطرة المرتبطة باستنشاق غاز الهيليوم، كسلوك ترفيهي، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين أو من يعانون أمراضاً صدرية مزمنة، مشيراً إلى أن هذا السلوك، رغم انتشاره في المناسبات والأجواء الاحتفالية، فإنه قد يؤدي إلى مضاعفات طبية حادة، أبرزها نقص الأوكسجين، والدوار وفقدان الوعي، وتمزق الحويصلات الهوائية في الرئتين، بل قد يصل إلى حد الاختناق المفاجئ.

وأوضح أن الهيليوم غاز لا يحتوي على أوكسجين، وعند استنشاقه فإنه يحل محل الهواء في الرئتين، ما يُسبب حالة تُعرف بـ«نقص التأكسج»، لافتاً إلى أن هذه الحالة تُعدّ خطرة بشكل خاص على مرضى الربو أو من لديهم مشكلات في الجهاز التنفسي، قائلاً: «استنشاق الهيليوم من بالون عادي قد يبدو آمناً ظاهرياً، لكنه لا يخلو من مخاطر نقص الأوكسجين، أما استنشاقه من أسطوانة مضغوطة فهو أكثر خطورة، وقد يؤدي إلى تمزق رئوي أو انسداد هوائي في الأوعية الدموية».

وأكّد أن أقسام الطوارئ تستقبل بالفعل حالات ناتجة عن استنشاق الهيليوم، وتم التعامل معها من خلال مراقبة العلامات الحيوية وتشبع الأوكسجين، وغادرت بعد استقرار الحالة، إلا أن بعضهم كان من الممكن أن يتعرضوا إلى مضاعفات أخطر لولا سرعة التدخل.

ودعا إلى تكثيف التوعية المجتمعية حول مخاطر الهيليوم، ومنع الأطفال من استنشاقه نهائياً، مع تشديد الرقابة على بيع أسطوانات الغاز، بحيث تُتاح لأغراض مهنية فقط، وتحت إشراف متخصصين، مع إلزام الموردين بوضع تحذيرات واضحة على الأسطوانات والبالونات المعبأة، كما دعا المدارس ومنظمي الفعاليات العائلية إلى تجنّب إدراج أي أنشطة ترفيهية تتضمن استنشاق الهيليوم، مشدداً على أهمية دور الأسرة في مراقبة استخدام الأطفال للبالونات، وتجنب أي سلوكيات قد تُعرّضهم للخطر، أو استخدامه في تعبئة البالونات أو تغيير نبرة الصوت، قائلاً: «الهيليوم ليس لعبة، واستخدامه العشوائي قد يحوّل لحظة فرح إلى مأساة صحية».

وحذّر استشاري طب الطوارئ، الدكتور أحمد القراغولي، من الاستخدام العشوائي والخاطئ لغاز الهيليوم، مؤكداً أن استنشاقه بغرض التسلية، كما يحدث في الحفلات والمناسبات، قد يؤدي إلى مضاعفات خطرة، مثل فقدان الوعي، والسقوط، وارتجاج الدماغ، وربما يؤدي إلى الوفاة نتيجة نقص الأوكسجين.

وأوضح أن غاز الهيليوم، رغم كونه غير سام وعديم اللون والرائحة وغير قابل للاشتعال ويُستخدم عادة في تعبئة البالونات، وفي العديد من الاستخدامات الصناعية والطبية، بما في ذلك علاج مرض انخفاض الضغط، فإن استنشاقه يُحدث طرداً سريعاً للأوكسجين من الرئتين، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في مستويات الأوكسجين بالجسم، مشيراً إلى أن ذلك يُسبب شعوراً بالدوار والإغماء، وقد يتسبب في انهيار مفاجئ لدى الشخص، خصوصاً في الأماكن المغلقة أو سيئة التهوية.

وأضاف أن الأطفال معرضون للخطر بشكل أكبر، نظراً إلى قلة سعة الرئة لديهم واحتياطهم المحدود من الأوكسجين، ما يجعلهم أكثر عرضة للانهيار حتى بعد استنشاق كميات صغيرة من الهيليوم مقارنة بالبالغين.

وذكر قصة واقعية تجسّد خطورة استنشاق غاز الهيليوم، حيث تعرّضت مجموعة من الأطفال والمراهقين لحالة انهيار جماعي خلال إحدى الحفلات، بعد استخدامهم الغاز بهدف التسلية وتغيير نبرة الصوت، وأدى ذلك إلى فقدانهم الوعي وسقوطهم من أعلى منصة الرقص، ما أسفر عن إصابات متفاوتة، من بينها ارتجاجات دماغية، وكسور، وجروح في مناطق متفرقة من الجسم، وأن أحد المصابين أُدخل المستشفى فوراً إثر إصابته بكسر مفتوح في الساق تطلّب تدخلاً جراحياً سريعاً.

وأوضحت أخصائية علم النفس الإكلينيكي الدكتورة ميرنا شوبح، أن انجذاب الأطفال والمراهقين لاستخدام الهيليوم رغم صوته غير الطبيعي يعود لأسباب نفسية وسلوكية متعددة، معظمها يرتبط بعوامل تطورية واجتماعية وعاطفية، حيث ينبع استخدامه في الأغلب من الفضول والتعزيز الاجتماعي وجاذبية التغيّر اللحظي.

وحذّرت من استخدام الهيليوم لتغيير الصوت لأنه قد يتحول من مجرد تجربة عابرة إلى سلوك متكرر أو ما يُشبه «الإدمان المؤقت» أو الوضعي، مدفوعاً بالتعزيز النفسي الفوري والضحك الجماعي والاهتمام الذي يحصل عليه المراهق من أقرانه، كما حذّرت من المنافسات التي تنشر على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لـ«تحدي الهيليوم».

وشددت على أن هذا السلوك لا يخلو من مخاطر نفسية، إذ إنه يؤثر سلباً في شعور الطفل بالمسؤولية تجاه جسده، ويُضعف وعيه بالسلامة الشخصية، قائلة: «الأطفال والمراهقون لايزالون في مرحلة بناء وعيهم الجسدي، وعندما يربطون المتعة بتجربة تُضعف الجسم أو تسبب الدوار، فقد يؤدي ذلك إلى تطبيع سلوكيات غير آمنة من دون إدراكهم لعواقبها». وقدّمت خمس توصيات عملية للحد من الاستخدام العشوائي للهيليوم، شملت، رفع الوعي بطريقة هادئة ومناسبة للعمر وتوضيح أن استنشاقه قد يُسبب الإغماء أو اختناقاً في بعض الحالات، والحد من الوصول غير المراقب إلى أسطوانات الهيليوم في المنزل، وتشجيع الأطفال على استخدام البالونات لأغراض إبداعية من دون استنشاق الغاز، وتضمين مخاطر الهيليوم في أحاديث السلامة اليومية، تماماً كما نتحدث عن الأشياء الحادة أو المواد الكيميائية، وتهيئة الأطفال الأكبر سناً لفهم ضغط الأقران والتعامل معه بحكمة، خصوصاً فيما يتعلق بالتحديات المنتشرة عبر الإنترنت.

إجراءات لضمان سلامة الاستخدام

حذّرت بلدية دبي، عبر دليل فني أصدرته إدارة الصحة والسلامة، من أن التعامل غير السليم مع غاز الهيليوم قد يؤدي إلى مضاعفات خطرة، أبرزها الاختناق وفقدان الوعي، خصوصاً عند استنشاقه مباشرة.

ويهدف الدليل الفني المُخصص لجميع المتعاملين مع غاز الهيليوم، بمن في ذلك منظمو الفعاليات وتجار التجزئة والمستهلكون، إلى ضمان الاستخدام الآمن والسليم لبالونات الهيليوم، وتوفير تعليمات واضحة وشاملة للسلامة فيما يتعلق بالتعامل مع أسطوانات غاز الهيليوم وتخزينها واستخدامها في تطبيقات البالونات، بهدف ضمان التشغيل الآمن للأنشطة المتعلقة بالهيليوم. وأكّد الدليل أن وثيقة الإرشادات الفنية تنطبق على جميع المؤسسات داخل دبي التي تعمل في مجال مناولة وتخزين ونقل واستخدام أسطوانات غاز الهيليوم لتطبيقات البالونات.

بالونات «مايلر» الكبيرة.. خانقة للأطفال

أوضح استشاري طب المجتمع والصحة العامة، الدكتور سيف درويش، أن الهيليوم يُعدّ من الغازات الخفيفة، وعند استنشاقه يمر الصوت عبر الحنجرة بسرعة أكبر، ما يجعل نبرته رفيعة ومضحكة، وهو ما يدفع كثيرين إلى استخدامه للتسلية، إلا أن خطورته تكمن في أنه يطرد الأكسجين من الرئتين من دون أن يشعر الشخص، ما يؤدي إلى نقص حاد في نسبة الأكسجين داخل الجسم، وقد يتسبب في فقدان الوعي أو حتى تلف دماغي دائم.

وشدد على أن استنشاقه مباشرة من الأسطوانات المضغوطة أمر في غاية الخطورة، حيث إن الضغط العالي قد يؤدي إلى تمزق الحويصلات الهوائية وحدوث استرواح صدري، وهي حالة خطرة قد تسبب دخول الهواء إلى تجويف الصدر، كما قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ«الانصمام الغازي»، وهو دخول فقاعات غازية إلى مجرى الدم قد تصل إلى الدماغ وتسبب جلطات قاتلة.

وأضاف: «رئة الأطفال أصغر وأكثر تأثراً، لذلك فإن المخاطر لديهم تكون مضاعفة، وقد تم تسجيل حالات وفيات في دول، مثل نيوزيلندا والولايات المتحدة بسبب استنشاق الهيليوم».

ونصح بعدم تعبئة البالونات بالهيليوم في أماكن مغلقة أو مخصصة للعب الأطفال، واستخدام منفاخ هواء عادي بدلًا منه، مع تأكيد ضرورة تخزين أسطوانات الهيليوم في أماكن باردة وآمنة وبعيدة عن متناول الأطفال، ووضع تحذيرات واضحة عليها.

وأكّد أهمية وجود رقابة دائمة من الأهل عند استخدام البالونات، خصوصاً البالونات الكبيرة، مثل «مايلر»، التي قد تسبب الاختناق إذا تم استنشاقها أو عضها من قبل الأطفال.

وبيّن أن قاعدة بيانات الإصابات الوطنية في الولايات المتحدة سجلت بين عامي 2019 و2000 نحو 2186 إصابة مرتبطة بغاز الهيليوم، 65% منها لأطفال تراوح أعمارهم من ستة إلى 12 عاماً، مع تضاعف عدد الحالات كل خمس سنوات، موضحاً أن نظام مراكز السموم الأمريكية في عام 2021 أشار إلى أن هناك 123 بلاغاً عن التعرض للهيليوم ونُقل 61% من المصابين على إثرها إلى المستشفيات، وعلى الصعيد الأوروبي، ذكرت مراكز السموم تسجيل 600 ألف مكالمة سنوياً عن حالات اختناق، نصفها من الأطفال، نتيجة استنشاق الهيليوم.

ودعا جميع الجهات المعنية، من مدارس ومراكز ترفيه وأولياء أمور، إلى رفع الوعي بمخاطر استنشاق غاز الهيليوم، ومنع الأطفال من استخدامه دون إشراف، كما شدد على ضرورة تدريب العاملين على الإسعافات الأولية واتباع سياسات سلامة مشددة في تخزين واستخدام هذا الغاز.

المصدر: الإمارات اليوم

شاركها.