قبل ربع قرن نشرت دار “غاليمار” المرموقة أولى روايات سلسلة اهتمّت بآداب لم تكن “مكرّسة” في المنطقة القارئة باللغة الفرنسية، سمّتها “قارّات سوداء” أو “قارّات سمراء”، ويشرف عليها منذ التأسيس إلى اليوم جون نويل شيفانو، أوّل من ترجم “اسم الوردة” لأمبرتو إيكو من الأصل الإيطالي.

اليوم تُسهم هذه المجموعة في نشر آداب وأساليب ومِخيالات وتجارب في الكتابة، تُغني المشهد الأدبي بأعمال تجد جذورها في مختلف أنحاء القارة الإفريقية، وأغصانها في العالَم بأسره، وظفرت بجوائز بارزة، أحدثها كان سنة 2025: جائزة غونكور المرموقة في مجال الأدب الناطق باللغة الفرنسية.

وبالعاصمة الرباط احتفت أكاديمية المملكة المغربية ودار نشر “غاليمار” بهذه السلسلة، مستقبلةً مجموعة من كُتّابها وكاتباتها للنقاش واللقاء مع الطلبة الباحثين، ومشاركة تجاربهم ورؤاهم في الأدب والإبداع وعموم العيش.

في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية يشارك مدير مجموعة “قارات سمراء” جون نويل شيفانو قصّة البدايات، وتصوّراته للأدب والقارة الأم للإنسانية.

هذا نص الحوار:

كيف تلقّيتم الاحتفاء المغربي بـ 25 سنة من تأسيس مجموعة “قارّات سوداء” التي تنشرها دار “غاليمار”؟

نحن سعداء بأن نكون برفقة 25 كاتبا لنحتفي بـ 25 سنة من مجموعة “قاراتٌ سمراء”، التي أسّستها مع أنطوان غاليمار، ونشرنا أول أعمالها في يناير من سنة 2000.

خلال هذه السنوات قدمت المجموعة الكثير من الكُتّاب، ونشرت منشورات ذات قيمة أدبية رفيعة، وتتوجّه إلى جمهور واسع؛ فمنذ شهرين مثلا ظفرت غاييل أوكتافيا بجائزة غونكور للقصّة القصيرة، وظفرنا قبل ذلك بجائزة رونودو، وأزيد من ثلاثين جائزة أدبية.

هذه المجموعة رائعة، وكُتّابها سعداء بها، وهذا ما أردته حقيقة منذ بدايتها؛ ازدهار وحرية في الإبداع.

كيف راودتكم كناشر فرنسي فكرة تخصيص سلسلة للآداب الإفريقية؟

راودتني الفكرة لأني أحب كثيرا إفريقيا، وأحب كثيرا ما يحقّق فيها.

عندما أفكر بأن نظرتنا وروحنا الغربية تشكّلت عبر اللوحات التي نقدّرها كثيرا، مثل بيكاسو وموديلياني وبراك، أجد أن كل هؤلاء الفنانين تأثّروا بالمنحوتات والإبداعات، التي أنتجها صانعون تقليديون وحدّادون أفارقة من مختلف أنحاء القارة، ففكّرت بأنه ينبغي أن نمر في القرن الجديد، والألفية الجديدة، من المنحوتات الخشبية إلى المنحوتات الورقية.

حقيقةً، الأدب الأكثر شبابا في أوروبا يبدأ في التحوّل إلى أدب مرجعٍ، كما لو أن عمره قرن أو قرنان أو أربعة. وهذا مذهل، فلنا قوة كتابةٍ، وإشعاع يغبطنا عليه كثير من المتحدّثين بالفرنسية والمحبّين لها.

على أي حال، هذه المجموعة الآن مرجع، وأنا سعيد جدا بذلك، وأحب كثيرا كُتّابي، ونكوّن عائلة، ولكل من أفرادها شخصيته، لكنْ كل يُنشئ بأسلوبه، ويُعطي شيئا مُذهلا نحتفي به في الذكرى الخامسة والعشرين بالمغرب.

كيف اخترتم “قارات سمراء” عنوانا للمجموعة الأدبية؟

هذه القارات بالجمع، وهو ما لا ينبغي أن ننساه؛ فكل كاتب قارة. قارة قادمة من القارة الإفريقية، من أفارقة العالَم؛ فقد حدثت كل الهجرات الأكثر صعوبة وفظاعة عبر المحيطات والصحاري، وكل هذا جعل العالَم الإفريقي، الذي نأتي منه جميعا، يهاجر إلى كل مكان.

من المهم الوعي بالقارة السمراء بصيغة الجمع. ومؤخّرا تأسّس بأبيدجان متحف للحضارات السوداء. وبباريس افتتح مؤخّرا معرض تستعمل فيها كلمة أسود (أسمر). في البداية تساءلنا لم الأسود؟ لِم لا تكون قاراتٍ خضراء أو حمراء؟! لكن ليس هذا هو الهدف؛ فهذه مجموعة تجمع الكُتّاب، بثقة، ليعيشوا إبداعهم، وأعطيهم، كناشر، انعكاس ما يقومون به.

القارات السمراء بالجمع اسم أدبٍ أفرو عالَمي؛ فما يهمّ هو عالَمية هذا الأدب.

ما المنهج الذي تختارون به نشر مخطوطة كتاب ضمن هذه المجموعة؟

المنهج بسيط، وجوابه في كلمة “الجودة”؛ جودة الأسلوب، وطريقة الحكي، والحكاية بعد ذلك.

المخطوطةُ إما ميّتة أو حيّة؛ فالميّتة لا آخذها، والحيّة آخذها.

كيف تعيدون أدب الأسماء التي شكّلت مجموعة “قارات سمراء” إلى جذرها الأول في البلدان الإفريقية؟

قُمنا حقيقة بالممكن، وكل المؤلّفات مهما كان ثمنها فإن ثمنها في جنوب الصحراء الإفريقية هو 9.50 أورو، حتى لو كان ثمن بيعها الأصلي 25 أورو أو 30.

لكن الثمن كان سيصير أرخص من هذا بكثير لو ساهمت الدول البترولية الإفريقية في الشعار الذي أطلقته قبل أزيد من عشرين سنة، وهو “قطرة بترول تساوي قطرة حِبر”؛ حتى تساهم في ثمن التوزيع، وإذا تكلّفت بهذه التكلفة سيصير ثمن المنشورات أرخص بعشر مرات.

ربما حان الوقت بعد خمس وعشرين سنة لإعادة إطلاق هذا الطلب: “قطرة بترول تساوي قطرة حبر”.

ما الأدب؟

الأدب روح شخصٍ قبل كلّ شيء، وروح حضارة، وروح شعب. وهو المرآة الأعمق، التي يمكن أن توجد، للكائن الإنساني.

المصدر: هسبريس

شاركها.