احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، حديثا، مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع “الكلمة المركبة في الأمازيغية، دراسة تركيبية، دلالية ومعجمية”، تقدم بها الطالب الباحث خالد بوغانم، تحت إشراف الدكتور عبد الهادي امحرف، وناقشها أمام لجنة علمية باللغة العربية، والأمازيغية والفرنسية أحيانا أخرى.
تتناول هذه الأطروحة، وفق معطيات توصلت بها هسبريس، دراسة الكلمة المركبة في الأمازيغية بهدف الكشف عن موقع الكلمة المركبة سواء في الأعمال المرتبطة بالصناعة أو التأليف المعجمي أو بالنحو الأمازيغيين؛ هل يعبر (هذا الموقع) بدقة عن مكانتها الحقيقية باعتبارها مدخلا معجميا مقارنة بالكلمات البسيطة والمشتقة، أو باعتبارها مقولة نحوية؟
وجاءت هذه الدراسة متضمنة لمقدمة عامة وخمسة فصول وخاتمة، بالإضافة إلى ملحق لهذه الدراسة يتضمن متن الكلمات المركبة في الأمازيغية، مسجلة ملاحظات مهمة تم استنتاجها من قبيل أنه على الرغم من تناولها في الأعمال الرئيسية التي اشتغلت على المستوى المورفو تركيبي morphosyntaxique، فإن التراكب composition غالبا ما تم التقليل من دوره في التكوين المعجمي الأمازيغي. فقد اعتُبِر، مقارنة بالاشتقاق، إجراءً procédés “هامشيا” أو عملية هامشية، مما يوحي بأن عدد الكلمات المركبة في معجم اللغة منخفضٌ.
وأورد المصدر ذاته أن اعتبار التراكب عملية ثانوية على مستوى تكوين المعجم في اللغة الأمازيغية، لم يستند إلى دراسة دقيقة ومنهجية. من هنا، كان التركيز في هذا العمل على إبراز أن حصة الكلمات المركبة المُمعجمة lexicalisées في مختلف اللهجات الأمازيغية هامة، عبر بحث منظم (منهجي) في مختلف الحقول المعجمية الدلالية lexicosémantique (معجم النباتات، معجم الحيوان، مصطلحات جغرافية وتقنية، مفردات تقنية مختلفة…). وهو ما سمح بجرد عدد هام من الكلمات المركبة قارب 2000 وحدة معجمية.
ولبلوغ هذا الغرض، اعْتُمِد معيار التسكيك figement في التمييز بين الكلمات المركبة وبين المتواليات الحرة، وهو المعيار الذي يبدو أساسيا في تكوين هذا النوع من الوحدات أهْمِل من قبل بعض الدارسين. فمن شروط الكلمة المركبة أن تصاغ داخل شكلٍ forme عناصرُه متماسكة بشكل قوي، أو أن درجة التسكيك موجودة فيها بصورة متفاوتة من شكل لآخر.
وشدد الطالب الباحث ذاته على أن المتن الذي ضُمّن في هذا العمل، والذي يقارب أَلْفيْ كلمة، يعد جوابا على هذه الادعاءات، مع التأكيد على أن ما تم جرده ليس إلا غيضاً من فيضٍ من الكلمات المركبة التي تحتاج إلى مَن يُنَقب عنها ويدونها. لذلك، فتجاهل هذه البناءات وخصائصها (التركيبية والدلالية على وجه الخصوص)، معناه تجاهل جزء كبير من معجم ونحو اللغة الأمازيغية.
وتسعى هذه الدراسة، وفق المصدر عينه، إلى إيجاد معايير لتصنيف هذه الكلمات المركبة استنادا إلى مقاربات مختلفة. بعض هذه المقاربات كان تركيزها منصبا على تحديد درجات تسكيك الوحدات المعجمية تركيبيا ودلاليا، والبعض الآخر ركز على طريقة وكيفية تكوينها.
كما تروم الدراسة المساهمة في نقاشٍ ما يزال موضع اختلاف بين اللسانيين. يتعلق الأمر بالشروط المطلوب توفرها في العناصر التي تدخل في إنشاء الكلمة المركبة: هل من الضروري بناء هذا النوع من الوحدات المعجمية عبر دمج كلمتين (على الأقل) لهما استعمال مستقل، أم إن هذا الشرط ليس لازما، على الأقل لدى بعض اللغات مثل الأمازيغية التي تعتمد على مزج السوابق مع الليكسيمات لتوليد كلمات مركبة؟ وقد مال من خلال تحليل الكلمات من صنف buN، إلى دعم رأي الباحثين الذين أقروا بإمكانية خلق كلمات مركبة عن طريق جمع السوابق مع الوحدات المعجمية.
وبخصوص الإطار النظري والمنهجي المعتمد، فهذا البحث يستند إلى ثلاثة إطارات نظرية: النظرية التي اشتغل عليها غاستون غروس (Gross, 1988, 1990,1991,1996)، ثم نظرية أنْسْكُمْبْر (Anscombre, 1990, 2011) وأخيرا نظرية ليفي (Levi,1978).
وخلصت الدراسة إلى نتائج أهمها استنتاج أن التراكب في الأمازيغية ليس ظاهرة هامشية كما اعتُقد من قبل، إنما عدد الوحدات المُنتَجة عبر التراكيب في الأمازيغية كبير ومهم، وأن أصل المشكل في حد ذاته نظري، ولا علاقة للإهمال الذي طال الكلمات المركبة بالواقع اللساني للمعجم الأمازيغي.
يشار إلى أن الطالب الباحث ناقش أطروحته أمام لجنة علمية ترأسها الدكتور عبد الكريم الطرماش، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان، وضمت كلا من الدكتور عبد الهادي امحرف، أستاذ التعليم العالي مشرفا، وعضوية كل من الدكتور حميد السويفي، أستاذ التعليم العالي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط، والدكتور منعم العزوزي، وجواد الزوبع، أستاذين محاضرين مؤهلين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان. وقررت اللجنة العلمية بعد المناقشة منح شهادة الدكتوراه للطالب بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر.
المصدر: هسبريس