في قلب مدينة تطوان، حيث تعج الشوارع والساحات بالزوار خلال أشهر الصيف، تتكرر الشكوى نفسها: “فين غنمشي؟”، والسؤال هنا لا يتعلق بمكان سياحي جديد، بل بمرفق بسيط وأساسي، هو مرحاض عمومي.
فرغم أنها تُصنف ضمن أبرز الوجهات السياحية بالمغرب خلال فصل الصيف، وتستقطب آلاف الزوار المغاربة من مختلف المدن ومن الجالية المقيمة بالخارج، إلى جانب السياح الأجانب، تعاني مدينة تطوان من غياب تام للمراحيض العمومية، في مشهد يُحرج المجلس الجماعي ويطرح تساؤلات حول استعداد المدينة لاحتضان الزوار بالحد الأدنى من المرافق الأساسية.
فالمدينة لا تتوفر حاليا على أي مرحاض عمومي مجهز، باستثناء عدد قليل جدا داخل المدينة العتيقة، جلها تابع للمساجد وفي وضعية رديئة، ما يدفع السكان والزوار إلى اللجوء لمراحيض المقاهي والمطاعم والمساجد، أو إلى ممارسات غير لائقة كقضاء الحاجة في الأزقة، مما يُسيء إلى جمالية المدينة وينال من صورتها كوجهة سياحية وثقافية.
في هذا الإطار، يقول “رشيد.م”، سائح قادم من فاس تحدثت إلى جريدة “العمق”: “قضيت يوما كاملا في تطوان، وكلما احتجت دخول المرحاض، لم أجد أمامي سوى مقهى أطلب فيه قهوة لا أحتاجها فقط لأستعمل مرحاضه، هذا غير معقول في مدينة بحجم تطوان”.
أما “فاطمة الزهراء.ب”، مغربية مقيمة في بلجيكا، فعبرت للجريدة عن إحراجها قائلة: “أنا هنا في عطلة رفقة أطفالي، واضطررت مرات للبحث عن مطاعم فقط بسبب حاجتنا لدخول مرحاض، وهذا يضع العائلات في مواقف محرجة، خاصة في الأماكن المزدحمة”.
وما يزيد الوضع تعقيدا هو الانتشار غير اللائق لسلوكيات مسيئة لجمالية المدينة، مثل التبول في الشوارع العامة، خصوصا في الأزقة الجانبية أو خلف المباني، وهو مشهد لا يليق بمدينة تسوق نفسها كوجهة ثقافية وتاريخية، وتحتضن فعاليات كبرى، بل وتستقبل الملك محمد السادس الذي اعتاد قضاء عطله الصيفية بها سنويا.
ولا يقتصر الإشكال على غياب المراحيض العمومية، بل يمتد إلى مشاريع تم تشييدها دون أن تُفعل على أرض الواقع، ففي كورنيش الطريق الدائري المطل على وادي مارتيل، بين مدار الرمانة والمحطة الطرقية، شُيّد مرحاضان عموميان خشبيان ومجهزان منذ سنوات، إلا أن أبوابهما ظلت موصدة في وجه المواطنين إلى اليوم.
ووفق معطيات حصلت عليها جريدة “العمق”، فإن السبب الرئيسي وراء عدم فتح هذين المرفقين يعود إلى عدم ربطهما بشبكة الماء، الأمر الذي أثار استياء واسعا في صفوف الساكنة والفاعلين السياسيين والحقوقيين، وسط تساؤلات عن جدوى إنجاز مرافق غير مشغلة، كلفت المال العام دون أن تقدم أي خدمة فعلية للسكان أو الزوار.
وسبق لجماعة تطوان أن تطرقت لملف المراحيض العمومية خلال اجتماع للجنة الشؤون الاجتماعية والتنمية البشرية وخدمات القرب في شتنبر الماضي، حيث الحديث عن مشروع جديد لتوفير مراحيض عمومية، وطرح ملف إعادة هيكلة الموجود منها ضمن خطة لتحسين مرافق القرب ورفع جودة البنيات التحتية الاجتماعية.
غير أن تلك النقاشات ظلت حبيسة محاضر الاجتماعات، دون أن تُترجم إلى مشاريع أو إجراءات ملموسة على الأرض، ما يبقي المواطنين والزوار في مواجهة واقع يومي محرج، ويطرح علامات استفهام حول نجاعة التدبير الجماعي، ومدى حرصه على تتبع إنجاز المشاريع وتقييم مردوديتها.
أمام هذا الوضع، وجهت المستشارة الجماعية نجاة حمرية عن فريق حزب العدالة والتنمية، سؤالا كتابيا إلى رئيس جماعة تطوان، تنتقد فيه هذا “الغياب غير المبرر للمراحيض العمومية”، وتعتبره مسا بكرامة المواطنين والزوار.
وساءلت المستشارة في سؤالها، الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منها، رئيس الجماعة حول الإجراءات العملية التي اتخذها المكتب المسير للجماعة لتجهيز المدينة بمراحيض عمومية لائقة، سواء عن طريق التدخل المباشر أو بشراكة مع القطاع الخاص.
وطالبت حمرية بتقديم توضيحات حول الميزانية المبرمجة أو المرصودة لهذا المشروع خلال السنوات الماضية والحالية، وما إذا كانت هناك خطة عمل واضحة ومؤطرة زمنيا لمعالجة هذا النقص الحاد في مرافق النظافة الصحية بالفضاء العام.
وشددت المنتخبة المعارضة على أن غياب هذا النوع من البنيات التحتية “يطرح تساؤلات عن مدى جدية المجلس الجماعي في معالجة اختلالات تلامس بشكل مباشر حياة المواطنين اليومية، خاصة في مدينة تستعد، إلى جانب باقي المدن المغربية، لاستقبال تظاهرات كبرى مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030”.
المصدر: العمق المغربي