يعاني إقليم اشتوكة آيت باها، منذ سنوات، من اختلالات بيئية عميقة باتت تهدد الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي، نتيجة الانتشار العشوائي والمقلق لمطارح النفايات في مختلف الجماعات والمراكز الحضرية والقروية، في ظل ضعف واضح في تدبير قطاع النظافة وغياب أي حلول مستدامة.

ففي مدينة بويكرى، عاصمة الإقليم، تنتشر الأزبال في الأحياء والأسواق بشكل بات مألوفا، بينما تحولت جماعة آيت عميرة إلى بؤرة بيئية سوداء، بسبب رمي المخلفات الصناعية والفلاحية على جنبات الطرق والمساحات المفتوحة، دون احترام لأبسط المعايير الصحية. كما تعيش جماعتا آيت ميلك وبلفاع واقعا بيئيا هشّا بدورهما، مع استمرار تراكم النفايات المنزلية والفلاحية في مختلف الأرجاء.

وتُعد جماعة سيدي بيبي المثال الأكثر تأزما، خاصة في تجزئة “أملال” التي لم تعد ساكنتها تحتمل الروائح الكريهة والأوساخ المتراكمة، حيث عبّرت في أكثر من مناسبة عن رفضها القاطع لاستمرار مطرح نفايات مجاور لمنازلها منذ أكثر من عشرين سنة.

وفي خطوة احتجاجية غير مسبوقة، دخل عدد من سكان الحي في اعتصام مفتوح منذ يومين، مطالبين بترحيل المطرح بشكل فوري ونهائي، بعد معاناة وصفوها بالمزمنة والمأساوية، استمرت طيلة عقدين من الزمن.

المعتصمون قطعوا الطريق أمام شاحنات نقل النفايات، ورفعوا شعارات غاضبة من قبيل: “النظافة اللي بغينا”، و”المطرح قنبلة موقوتة”، مؤكدين أن صبرهم نفد بعد أن استنفدوا كل المسارات الإدارية والقانونية دون أي تجاوب فعلي من السلطات المحلية والإقليمية.

وأوضح عدد من المشاركين في الاعتصام، في تصريحات لجريدة “”، أن معاناة الساكنة بدأت سنة 2003، حين قررت السلطات اعتماد الموقع الحالي كمطرح للنفايات، رغم قربه من التجزئة السكنية التي أنشأتها شركة “العمران”، ما جعل السكان يعيشون تحت وطأة التلوث المباشر.

وأشار المتحدثون إلى أنهم طرقوا أبواب الجماعة المحلية، والقيادة، والباشوية، وعمالة الإقليم، والشرطة البيئية، طوال سنوات، دون أن يتم اتخاذ أي إجراء فعلي، باستثناء وعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ، مما عمق شعور الساكنة بالتهميش و”الحكرة”.

وأكد المعتصمون أن هذا المطرح تسبب في انتشار أمراض تنفسية وجلدية، خاصة بين الأطفال، بفعل الأدخنة السامة والحشرات، مبرزين أن أجهزة الربو أصبحت من الضروريات داخل المنازل، بينما لم يعد بالإمكان فتح النوافذ بسبب الروائح الكريهة التي تخنق الحي طيلة أيام السنة.

وأضافوا أن المطرح تحول أيضا إلى فضاء مهجور يستقطب المنحرفين، وأصبح مسرحا لسلوكيات مقلقة مثل تعاطي المخدرات والتسول، ما خلق مناخا من الخوف والقلق داخل الحي، وزاد من معاناة السكان على المستويات الصحية والنفسية والأمنية.

وأمام استمرار تجاهل مطالبهم، أكد المحتجون أنهم سيتصدون لأي شاحنة نفايات تحاول الوصول إلى المطرح، إلى حين تحقيق مطلبهم الأساسي المتمثل في ترحيله إلى موقع بديل يحترم الحق في بيئة سليمة ويضمن كرامة العيش.

وختم المعتصمون تصريحاتهم بالتشديد على أن “الكرة في ملعب السلطات”، وأن التأخير في التدخل لم يعد مقبولا، مطالبين والي جهة سوس ماسة، وعامل إقليم اشتوكة آيت باها، ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بالتدخل العاجل لوضع حد لما وصفوه بـ”الكارثة البيئية”، واتخاذ قرار شجاع بإغلاق هذا المطرح العشوائي حفاظا على صحة المواطنين وكرامتهم.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.