نبه محمد غيات، عضو فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، إلى ما وصفه بـ”الوضع المقلق” الذي تعرفه عدد من المؤسسات والمقاولات العمومية، مشددا على أن هذه الكيانات، التي أُنشئت في الأصل لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باتت في كثير من الحالات تمثل عبئا هيكليا على الدولة بدل أن تكون رافعة للإصلاح والنمو.
كلام غيات جاء خلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة والحكامة بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، المخصص لمناقشة التأخر الحاصل في تنفيذ الإصلاح الشمولي والمندمج لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية والمدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة الأداء.
وفي مداخلته، اعتبر النائب البرلماني أن العرض الذي سبق أن قدمه المدير العام للوكالة كشف بشكل صريح عن أعطاب بنيوية مزمنة، تتجلى في ضعف الحكامة وغياب النجاعة في التدبير، محذرا من استمرار هذا الوضع دون تدخل حازم وعميق يعيد ترتيب أسس اشتغال هذه المؤسسات.
وأشار غيات إلى أن الخطاب الملكي لسنة 2020 أولى اهتماما خاصا لهذا الورش، مما يعكس مركزية هذا الملف في أجندة الإصلاح الوطني، لكنه تساءل عن سبب التأخر في تفعيل مخرجات الإصلاح، رغم وضوح التوجيهات ووفرة المعطيات التشخيصية.
وتابع متسائلا: “هل لا تزال المقاربة التقنية الضيقة هي التي تحكم تدبير هذا الملف، أم أن هناك توجها استراتيجيا فعليا ينسجم مع السياسات العمومية ويعيد الاعتبار لنجاعة المؤسسة العمومية؟”.
وخاطب غيات وزيرة المالية والمدير العام للوكالة قائلا: “الجرأة في التشخيص لا يجب أن تبقى معلقة، بل لا بد أن توازيها جرأة مماثلة في القرار والتنزيل”، داعيا إلى القطع مع منطق الريع المؤسساتي، وترشيد المال العام، وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة كأساس لأي إصلاح حقيقي.
وفي سياق متصل، كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن الإصلاح الذي يشهده قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب يحظى باهتمام دولي واسع، مؤكدة أن منظمات دولية مرموقة، مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، عبرت عن رغبتها في الاستفادة من التجربة المغربية ومشاركتها مع بلدان أخرى، رغم اعترافها بكون الإصلاح لا يزال في مراحله التكوينية.
وقالت الوزيرة، خلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، إن الحكومة لم تنه بعد هذا الورش الإصلاحي، لكن هناك تقدم ملحوظ واعتراف دولي معتبر، حيث طلبت OECD من الوكالة الاستراتيجية مشاركة تجربتها مع دول أخرى، معتبرة أن هذا النموذج قد يفيد القارة الإفريقية وحتى بعض الدول الأوروبية، مضيفة أن “البنك الدولي بدوره يواكب هذا المسار”.
وفي سياق حديثها عن الوضعية المالية للمؤسسات العمومية، شددت فتاح على أن بعض المقاولات العمومية تحقق أرباحا، فيما أخرى لا، وهو أمر طبيعي داخل محفظة عمومية، موضحة أن “كلنا نأمل أن تستمر المؤسسات الرابحة في تحقيق نتائج إيجابية لضمان الاستدامة، لأن من المهم أن تكون لدى المالية العمومية رؤية واضحة لا تفاجئنا من سنة لأخرى”.
وأكدت المسؤولة الحكومية، أن الهدف من إعادة الهيكلة لا يقتصر على رفع الأرباح، بل لضمان وضوح الرؤية المالية والاقتصادية على المدى القصير والمتوسط والبعيد، مشيرة إلى أن هذه الرؤية ضرورية حتى يكون للسياسات العمومية أثر ملموس ومستدام.
وفي ردها على تساؤلات النواب حول تأخر الإصلاح، أوضحت الوزيرة أن الحكومة ملتزمة بتنفيذ جميع الأوراش التي تسهر عليها، استنادا إلى البرنامج الحكومي والقوانين الإطارية، رغم إقرارها بأن الجدولة الزمنية صعبة.
وأشارت إلى أن اختيار هذه الحكومة لتنفيذ الورش لم يكن صدفة، بل لكونها تتوفر على الكفاءة والقدرة على تنزيل هذا المشروع المعقد، موضحة أن “كل سطر من القانون الإطار يتطلب مشاورات وأوراش، وعقدنا 15 إلى 20 اجتماعًا، إضافة إلى مكالمات هاتفية مستمرة، لأن نجاح الإصلاح يفرض نظرة موحدة للمحفظة العمومية”.
المصدر: العمق المغربي