مع حلول كل صيف، تفتح المملكة المغربية ذراعيها لاستقبال أبنائها من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في إطار عملية “مرحبا”، المستوحاة من التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى حسن استقبال مغاربة العالم، وتوفير الظروف الملائمة التي تشعرهم بأنهم في وطنهم الذي يحتضنهم ويرحب بهم.

 

لكن حسن الاستقبال لا ينبغي أن يقتصر على الموانئ والمطارات والمعابر الحدودية فقط، بل لا بد أن يمتد إلى مختلف الإدارات والمؤسسات والمصالح العمومية في كل ربوع المملكة. ذلك أن أفراد الجالية لا يزورون المغرب للسياحة فقط، بل يحملون معهم ملفات عديدة يرغبون في تسويتها خلال مدة إقامتهم القصيرة، التي لا تتجاوز في الغالب ثلاثة أو أربعة أسابيع. وفي ظل هذا الظرف الزمني المحدود، يصبح من الضروري على الإدارات المغربية أن تسابق الزمن لتلبية حاجياتهم في أقصر الآجال، وتبسيط المساطر وتسريع الإجراءات.

 

يتعين على كافة المصالح المعنية، سواء تعلق الأمر بالحصول على شواهد إدارية، أو استخراج وثائق رسمية، أو تصفية وضعيات عقارية، أو ربط مساكنهم بشبكات الماء والكهرباء والإنترنت والصرف الصحي، أن تعي بأن هؤلاء المواطنين ليس لديهم متسع من الوقت للمماطلة أو طول الانتظار. فهم لا يستطيعون تكرار الزيارات أو العودة بعد أيام لاستكمال الوثائق أو أداء إجراء معين، كما هو حال المقيمين الدائمين. ولهذا، فإن تبسيط المساطر واعتماد مسالك سريعة (Guichets Rapides) خاصة بمغاربة العالم يعد مطلباً ملحاً.

 

مثلاً، لماذا لا تخصص بعض الإدارات شباكاً خاصاً بمغاربة الخارج خلال أشهر الصيف، مع موظفين مدربين للتواصل الفعّال وتقديم الخدمة السريعة والمبسطة؟

 

لماذا لا تعتمد مصالح الماء والكهرباء والاتصالات على آلية الطلب الرقمي المسبق عبر الإنترنت، حتى يجد المواطن كل شيء جاهزاً عند قدومه؟

 

لماذا لا تصدر الوثائق الإدارية والشواهد رقمياً عبر بوابات إلكترونية موثوقة تتيح له استلامها فور وصوله للمغرب؟

 

من غير المقبول أن يُعامل مغاربة العالم، الذين هم سفراء لبلدهم في الخارج، بأساليب المماطلة، أو طلب “مقابل” لقضاء أغراضهم، أو إدخالهم في دوامة من “سير واجي” التي تستهلك وقتهم وتكسر فرحتهم بالوطن. المطلوب من كل مسؤول وموظف أن يقدم لهم المعلومة الدقيقة والواضحة، وأن ييسر لهم الأمور قدر الإمكان، بما يعكس قيم الكرامة والاحترام التي يجب أن يحس بها كل مغربي على أرض بلاده.

 

إن الشباب من أبناء الجالية، خاصة الجيلين الثاني والثالث، لا يملكون صبر آبائهم وأجدادهم على طول الانتظار ومشقة الإجراءات، بل يقيسون جودة وطنهم بمقدار جودة الخدمات التي يتلقونها. فإذا ما اصطدموا بتعقيدات وصعوبات، فقد يفضلون لاحقاً قضاء عطلتهم في دول أخرى، أو حتى صرف نظرهم عن الاستثمار في المغرب.

 

لذلك، من مصلحة البلد أن نحسن استقبالهم ونيسر أمورهم، لأنهم في نهاية المطاف يمثلون رصيداً بشرياً واقتصادياً مهماً، يمكن أن يساهم في تنمية البلاد عبر تحويلاتهم المالية، واستثماراتهم، ومشاريعهم المستقبلية.

 

مقترحات عملية لتعزيز الاستقبال والخدمات لفائدة مغاربة العالم:

 

1. إحداث خلية خاصة بمغاربة العالم في كل إدارة عمومية خلال فترة الصيف.

 

2. رقمنة كافة المساطر الإدارية، مع تمكين الجالية من إنجاز العديد من الإجراءات عن بعد، قبل حلولهم بالمغرب.

 

3. وضع “مكاتب استقبال خاصة” في المصالح الحساسة (مثل الجماعات المحلية، إدارة الماء والكهرباء، مكاتب التوثيق…) مزودة بموظفين مكونين على حسن التواصل.

 

4. إطلاق حملات توعوية داخل الإدارات لتذكير الموظفين بواجبهم الوطني في حسن معاملة مغاربة العالم.

 

5. تخصيص خط ساخن وموقع إلكتروني موجه للجالية يقدم لهم كافة المعلومات المطلوبة، مع إمكانية حجز المواعيد المسبقة أو تتبع ملفاتهم عن بعد.

 

6. تحفيز إدارات الدولة على تقديم خدمات سريعة وجودة عالية عبر مؤشرات أداء خاصة بالخدمة المقدمة للجالية.

 

الخلاصة

إن الاستقبال الجيد لمغاربة العالم، وتسهيل قضاء أغراضهم الإدارية والخدماتية، ليس مجرد خدمة فردية عابرة، بل هو رهان استراتيجي يعزز علاقة هذه الفئة بوطنها، ويشجعها على العودة المتكررة والاستثمار والمساهمة في تنمية المغرب. كل موظف وكل مسؤول مطالب اليوم بأن يتحمل مسؤوليته الكاملة في جعل إقامة مغاربة العالم في بلدهم تجربة مبهجة لا تُنسى.

فليكن شعارنا جميعاً: “أبناء الجالية ضيوف وطنهم… فلنحسن ضيافتهم”. شارك

 

المصدر: العمق المغربي

شاركها.