لم يعد اغتيال المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، مجرّد فرضية متداولة في الكواليس الاستخباراتية أو تهديدًا ضمنيًا في خطابات متوترة، بل تحوّل إلى هدف معلن على لسان أعلى سلطة تنفيذية في إسرائيل.
ففي مقابلة مع شبكة ABC الأميركية، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن قتل خامنئي لن يشعل فتيل التصعيد كما يُعتقد، بل “سيضع حدًا للنزاع”، على حدّ تعبيره. موقف كهذا لا يُعبّر فقط عن تحول تكتيكي، بل يكشف عمق التحوّل في المقاربة الإسرائيلية: طهران لم تعد تُرى كخصم يمكن احتواؤه، بل كنظام يجب اقتلاع جذوره.
الإصرار على اغتيال رأس النظام الإيراني لا يُقرأ كمجرد اندفاع نحو التصعيد، بل كجزء من قناعة استراتيجية بأن المرشد هو العمود الفقري العقائدي والتنظيمي لمنظومة تستمدّ شرعيتها من رمزيته. في ظل التآكل المتسارع لمنظومة الحلفاء، وتراجع قوة الحرس الثوري، ترى إسرائيل أن إسقاط خامنئي لا يعني فقط نهاية رجل، بل بداية تفكك نظام.
هذا التوجه التصعيدي ترافق مع إنجاز ميداني غير مسبوق. ففي ظرف لم يتجاوز 48 ساعة، فرضت إسرائيل سيطرة شبه كاملة على الأجواء الغربية لإيران، بما في ذلك سماء طهران. طائرات الشبح F35 المعدّلة محليًا دمرت العشرات من منصات الدفاع الجوي والرادارات، وكانت النتيجة: انكشاف السماء الإيرانية، وفتحها أمام المقاتلات الإسرائيلية التي باتت تحلّق دون أي اعتراض يُذكر.
اللافت أن هذا التفوق لم يكن نتيجة سلاح فائق وحده، بل عبر تنسيق عملياتي شديد التعقيد جمع بين الاستخبارات، والهجمات السيبرانية، والطيران، والعمل الميداني على الأرض. ووفق عدد من المحللين، فإن إسرائيل نجحت فيما فشلت فيه قوى عظمى في ساحات أخرى: السيطرة على الأجواء، ثم استثمار هذه السيطرة لصياغة واقع استراتيجي جديد.
في المقابل، جاء الرد الإيراني على شكل رشقات من الصواريخ والمسيّرات التي استهدفت مناطق سكنية وأمنية في تل أبيب ومدن أخرى، مخلفة قتلى وجرحى. لكن الرد بدا أقرب إلى تسجيل موقف منه إلى فرض معادلة ردع. فمع توالي الضربات الإسرائيلية وعمق الاختراق الأمني والعسكري، تحاول طهران إبراز “هيبة الردع”، في وقت بدأت، بحسب تقارير إعلامية غربية، إرسال رسائل تهدئة عبر وسطاء عرب وأوروبيين، مطالبةً بضمانات بعدم تدخل أميركي مباشر مقابل وقف التصعيد.
لكن إسرائيل، وفق تصريحات نتنياهو، لا تنوي التوقف. الحملة، حسب قوله، لم تصل حتى إلى منتصف الطريق، والهدف المعلن بات ثلاثيًّا: تفكيك البرنامج النووي، تحييد منظومة الصواريخ الباليستية، وإنهاء ما يسمى بـ”محور المقاومة”. وما بين السطور، يتضح أن رأس النظام بات جزءًا من هذا الهدف.
التحول الجاري يتجاوز الردع والتكتيك؛ إنه مشروع لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. إسرائيل لا تسعى فقط إلى تحجيم نفوذ إيران، بل إلى إعادة توزيع الأدوار وتحديد مَن يملك شرعية التأثير في الإقليم. سقوط الأسد، تحييد حزب الله، وتحطيم قدرات حماس، كلها محطات ضمن خارطة جديدة تضع تل أبيب في موقع القيادة الإقليمية.
ما يجري الآن هو تفكيك سردية الثورة الإسلامية الإيرانية ذاتها. فلم تعد الضربات تستهدف منصات أو منشآت فقط، بل تهدد أعلى سلطة روحية وسياسية ونخبة الحكم والعسكر في “نظام الملالي”. كل ضربة هي رسالة بأن لا أحد في مأمن، وأن ما كان محظورًا بات اليوم مباحًا ضمن منطق القوة الوقائية.
في هذا المشهد، تبدو إيران أكثر عزلة من أي وقت مضى. الحلفاء في حالة تراجع، الردع متهالك، والمجال الجوي مُخترق. ومع كل غارة إسرائيلية، تتعمق الأزمة داخل طهران، بين غضب شعبي على الأداء الحكومي، وتمسّك النظام بخطاب تعبوي فقد الكثير من صدقيته.
هل تقود هذه المرحلة إلى تسوية تُعيد ضبط المشهد الإقليمي؟ أم أننا أمام انقلاب استراتيجي طويل المدى تُرسم فيه ملامح “شرق أوسط جديد” بلا وكلاء، وبلا صواريخ متنقلة بين الدول، وبلا هالة أيديولوجية تستنزف المنطقة؟
ما هو مؤكّد حتى الآن أن سماء إيران لم تعد حكرًا عليها، وأن رأس النظام لم يعد خطًا أحمرًا في قاموس تل أبيب. وما تبقّى، فهو رهن قدرة طهران على احتواء الانهيار، أو الانفجار من الداخل.
المصدر: هسبريس