ليست المرّة الأولى التي تجد الكويت نفسها في كمّاشة اللهيب الإقليمي. حصل ذلك قبل تسعينيات القرن الماضي، وكانت ضحية مُباشرة للنّار وأطماع ديكتاتور لم يُفكّر في مصلحة بلده أولاً قبل التفكير في حُسن الجوار، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا سواء خلال الحرب الدولية على العراق أو التّوتّر الدولي مع إيران أو تفاعلات ما سُمّي بالربيع العربي… وانتهاء بالحرب الإسرائيلية الإيرانية القائمة حالياً.

الجغرافيا أحياناً قاسية القلب وظُلمها كبير، لكنّنا لا نريد اليوم التنظير في انعكاس الموقع على السياسة وفي تحليل الضربات المُتبادلة والموقف العربي والدولي. نُريد فقط أن نتحدّث عن جبهتنا الداخلية لنُؤكّد بكلّ قُوّة وصراحة: على الكويتيين الوقوف صفاً واحداً خلف قيادتهم خصوصاً في هذه الظروف.


كالعادة، مع خروج الطلقة الأولى أو القذيفة الأولى أو الصاروخ الأول، تموج المواقف الكويتية من شخصيات عامة وأخرى عادية بعشرات الآراء والتحليلات ويُصبح لدينا مليون خبير إستراتيجي ومثلهم أمني وعسكري. حتى هنا الأمر مقبول في إطار الحيويّة السياسية الكويتية، لكن ما هو غير مقبول في مثل هذه الظروف أن تخرج تعليقات مُتطرّفة وكأنّ هناك إصراراً من فئات مُعيّنة في البلد لنقل المعركة إلى داخل الكويت.

يا جماعة الخير ألم نتعلّم شيئاً من التجارب؟ المعركة بين مشروعين في المنطقة ونحن في كمّاشة اللهب ولا نريد أن نصبح في دائرة النّار. لا يعني هذا الكلام أبداً أنّنا لا نملك الرؤية والرأي، أو أنّا ندعو إلى الصمت في الموقف والتعبير، لكنّنا نريد الارتقاء إلى المسؤولية الوطنية التي يفرضها حدث جلل كالذي نمرّ به حالياً.

الكويت أعلنت موقفها وهو التنديد القوي بالعدوان الإسرائيلي على إيران، وكذلك فعلت كل دول الخليج العربي، وطالبت المجتمع الدولي بوقف هذا الاستهداف لدولة شقيقة، وبالتأكيد حصل تنسيق خليجي شامل حدّد مسار التحرّك الديبلوماسي الذي سيتم الاتفاق عليه للمُساعدة في إعادة الأمن والاستقرار، وحصلت اتصالات كويتية خليجية مع إيران للتعاون في الخطوات المُساعدة على إنجاز هذا الهدف، كما حصلت اتصالات مُعلنة وغير مُعلنة بين قادة خليجيين ودوليين لوقف سياسات «الجنون» الإسرائيلي.

أكثر من ذلك، تفرّدت حكومة الكويت رُبّما بأخذ الإجراءات الاحترازية من استنفار كلّ الوزارات والقطاعات والإدارات تحوّطاً للأصعب، من خلال إدارة الأزمة بشكل علمي قائم على معرفة الإمكانات الموجودة وكيفية تفعيلها لتفادي الأسوأ لا سمح الله… سواء تعلّق الأمر بحماية المنشآت الحيوية والاطمئنان على المخزون الغذائي والدوائي وصولاً إلى مُواجهة أيّ نتائج للعمليات العسكرية كوننا غير بعيدين عنها.

من هنا يصحّ القول إن المسؤولية تقتضي الاصطفاف الكامل خلف القيادة الكويتية والموقف الرسمي الكويتي.

نحن في دولة واحدة، وأميرنا واحد هو صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد، وحكومتنا كويتية تعمل للكويت وأبنائها. في أيام الاستقرار الاجتهادات مسموحة بل ومطلوبة بما في ذلك التصويب على خطأ أو تجاوز لتصحيح المسار. في زمن الحرب الإقليمية من غير المسموح أن نفتح جبهات داخلية بين مُؤيّد لهذا الطرف أو ذاك.

الحرب أوّلها كلام، وعندما تغيب الأقلام والتحليلات الواعية نجد من ينتهز الفرصة إمّا للإساءة إلى دول شقيقة أو إلى شقيقه في الدولة. هنا من يتشمّت ويفرح، وهناك من يُهدّد بحساب عسير، وثالث يُحرّض على ما يُهدّد الأمن والاستقرار عبر إطلاق مواقف ضد أشقاء وأصدقاء، ورابع يُخفّف من فعالية الإجراءات الحكومية بهدف إضعاف ثقة الناس بها، وخامس يجدها فرصة لإطلاق مواقف مُعارضة وفتح مواضيع لا يستقيم وجودها في دائرة النّار المُحيطة.

مرّة أخرى، حبّذا لو نتعلّم الدرس جميعاً. في الأيام العادية جُبل الجميع على حرية الرأي والتعبير، في مرحلة الزلازل ابقِ على رأيك في كل شيء حتى في ما يتعلّق برؤيتك المعارضة لسياسات كثيرة. ابقِ على رأيك في ما يتعلّق بالحرب الحالية وأطرافها انسجاماً مع فكرك ومعتقداتك… إنّما لا تستخدم وسائل التواصل لتشعل حرباً داخلية أو أخرى تخلق مشاكل للدولة مع الأشقاء والأصدقاء. في الظروف الصعبة وضع الكويت وموقعها في غاية الحساسية، ويا شريكي في الوطن ليس مطلوباً منك تأييد الحكومة إنّما لا تخرج عن رأي القيادة التي تُواجه تحدّيات المرحلة رغم كلّ العواصف… وعندنا تجارب كثيرة فتحت علينا أبواب رياح كنّا في غنى عنها.

نختم بما بدأنا به… عندنا أمير واحد هو صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد قائد سفينة الكويت، وجميعناً نقف صفاً واحداً خلفه للعبور بها إلى موانئ الأمان.

المصدر: الراي

شاركها.