نبيل منصور

 

في خضمّ حربٍ دمرت معظم أوجه الحياة في السودان، خرج إلى السطح أحد أخطر الاتهامات : استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية. ورغم أن الجهات التي روّجت لهذه المزاعم لم تقدّم أدلة قاطعة، إلا أن الخطر لا يكمن فقط في الاتهام ذاته، بل في تجاهل الرد عليه رسميًا، وتركه يتداول دون فصل حاسم من جهة ذات مصداقية. هذا الصمت المقلق لا ينذر فقط بعواقب سياسية وأخلاقية، بل بآثار اقتصادية واجتماعية كارثية قد يدفع السودان ثمنها طويلًا، خصوصًا في أم درمان، المدينة ذات الكثافة السكانية العالية، والمكوّن الحيوي من قلب البلاد الحضري والاقتصادي.

 

الاتهام والصمت : التهديد المزدوج

 

الأسلحة الكيميائية ليست تهمة عابرة. إنها من أخطر جرائم الحرب وفقًا للقانون الدولي، وتثير فورًا مخاوف المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، والدول المانحة، وحتى المستثمرين المحتملين. وبقاء هذا الاتهام دون نفي رسمي موثق أو لجنة تقصٍّ محايدة، يجعل من السودان هدفًا للتصنيف كموقع محتمل لانتهاكات جسيمة، مما يُهدد سمعة الدولة لعقود قادمة.

 

أم درمان تحت الاتهام: من المأساة الإنسانية إلى الخطر الاقتصادي

 

الاتهام باستخدام أسلحة كيميائية لم يُوجه إلى منطقة معزولة أو جبهة قتال نائية، بل إلى أم درمان، المدينة التاريخية المأهولة بكثافة سكانية عالية، والمتداخلة جغرافيًا واجتماعيًا مع الخرطوم وبحري. وهذا يعني أن الأثر لا يقتصر على العسكريين أو المتقاتلين، بل يمتد ليشمل آلاف المدنيين، والمصانع، والمزارع، ومراكز الخدمات الصحية والتعليمية.

وإذا بقي هذا الاتهام دون حسم رسمي، فإن العواقب على الاقتصاد ستكون كارثية. فالسودان يعتمد في صادراته بشكل رئيسي على اللحوم، والمنتجات الزراعية، والمواد الخام الطبيعية، وكل هذه القطاعات تقوم على سلامة الأرض والبيئة. وفي حال انتشرت الشبهات الدولية بأن هذه المنتجات قد تكون ملوثة أو قادمة من منطقة يُشتبه فيها باستخدام أسلحة كيميائية:

• ستفرض الدول المستوردة حظرًا فوريًا أو مؤقتًا.

• ستتوقف اتفاقيات التصدير الجارية، أو يُعاد التفاوض بشأنها بشروط أكثر تشددًا.

• سيفقد السودان عملات أجنبية مهمة من قطاعات تعدّ اليوم من آخر ما تبقّى له من روافد الاقتصاد غير المنهار بالكامل.

• تأثيرات متتالية على القطاع المدني والمعيشي

• التداعيات لا تقف عند حدود الأسواق الخارجية، بل تضرب السوق المحلي أيضًا:

• الهلع الشعبي سيؤدي إلى نزوح إضافي من أم درمان ومحيطها.

• انعدام الثقة بالسلامة البيئية قد يخلق موجة إحجام عن شراء المنتجات المحلية.

• إرتفاع التكاليف وانقطاع الإمداد سيقودان إلى تضخم جديد، وانهيار ما تبقّى من القدرة الشرائية.

 

ما الحل؟ لجنة تقصٍّ عاجلة ونفي رسمي

 

لوقف هذا النزيف، لا يكفي أن يخرج مسؤول عسكري لينفي شفهيًا، بل يجب:

• تشكيل لجنة تحقيق مستقلة (وطنية أو إقليمية أو دولية).

• إصدار تقرير شفاف يُنشر للرأي العام.

• محاسبة من يثبت تورطه إن صح الاتهام.

• أو، في حالة النفي، مقاضاة من روّج الأكاذيب عمدًا.

 

خاتمة : اتهام بلا حسم، هو وطن بلا حماية

 

ليس من مصلحة أي طرف ترك هذه السحابة المسمومة معلقة في سماء أم درمان والسودان عمومًا. إن تهمة الأسلحة الكيميائية، إن لم تُفند رسميًا، ستُصبح وصمة سياسية وأمنية واقتصادية يصعب محوها. وعلى الجميع أن يُدرك أن المعركة على الحقيقة، في زمن الفوضى، لا تقل أهمية عن المعركة على الأرض.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.