في زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية امتدادًا لأيدينا، والشبكات الرقمية متغلغلة في تفاصيل حياتنا اليومية، لم يعد ارتكاب الجريمة حكرًا على الشارع أو الفضاء المادي. بل إن أخطر الجرائم وأكثرها تعقيدًا باتت ترتكب من وراء الشاشات، في صمت مريب، وتحت غطاء من المجهولية.

الجريمة الإلكترونية… واقع لا يمكن تجاهله

تشمل الجرائم الإلكترونية كافة الأفعال الإجرامية التي تُرتكب باستعمال شبكة الإنترنت أو وسائط رقمية، سواء تعلق الأمر بالاحتيال المالي، أو بالمس بسلامة نظم المعالجة المعلوماتية، أو بالتشهير، أو حتى بالاستغلال الجنسي للقاصرين.

وتشير المعطيات الموثوقة في بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا، إلى أن الجريمة الإلكترونية تشهد تصاعدًا مقلقًا. فقد سجلت المصالح المختصة هناك، خلال سنة 2021، ما مجموعه 305.477 جريمة إلكترونية، تشكل الاحتيالات البنكية والمعلوماتية منها حوالي 87%.

ورغم اختلاف السياق القانوني المغربي، فإن القواسم المشتركة في أنماط الإجرام الرقمي، والأدوات المستعملة فيه، تُظهر أن المغرب ليس بمنأى عن هذه التهديدات، بل قد يواجه مستقبلًا ارتفاعًا مماثلًا، خاصة في ظل الطفرة الرقمية المتسارعة.

أبرز صور الجريمة الرقمية

من خلال تحليل نماذج متكررة في الميدان، يمكن تصنيف الجرائم السيبرانية كما يلي:
• الاحتيال عبر الرسائل النصية (Smishing): يُمارَس من خلال إرسال رسائل هاتفية تنتحل صفة مؤسسات رسمية أو بنكية، تطلب من الضحية تحديث بياناته، أو النقر على روابط، بينما الغاية الحقيقية هي سرقة معطياته البنكية.
• الابتزاز الإلكتروني: ويشمل التهديد بنشر صور أو رسائل شخصية، بهدف الحصول على مبالغ مالية أو تنفيذ رغبات معينة.
• المساس بالشرف والاعتبار: عبر تعليقات مهينة، أو إشاعات مغرضة، خصوصًا على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي غالبًا ما تُرتكب من وراء هويات وهمية.
• الاستغلال الجنسي للقاصرين عبر الإنترنت: وهو من أخطر الجرائم، ويشمل إغواء الأطفال للحصول على صور أو فيديوهات ذات طبيعة جنسية، أو ترويج محتويات إباحية قُصّر.
• الاختراق المؤسساتي: كالهجمات التي تستهدف نظم المعالجة المعلوماتية بالمؤسسات الصحية أو البنكية، وتسفر عن شلل وظيفي أو تسريب معطيات حساسة.

من هم مجرمو الإنترنت؟ وماذا يحركهم؟

رغم تنوع الفئات، فإن الخبراء في الأمن الرقمي يجمعون على أن مرتكبي هذه الجرائم يشتركون في خصائص سيكولوجية وسلوكية، منها:
• الشعور بالتفوق: حيث يعتبر المجرم الإلكتروني نفسه أذكى من غيره، ويبرر جرائمه بمهاراته التقنية.
• الإفلات من العقاب: بحكم إخفاء الهوية الرقمية وصعوبة التتبع في بعض الحالات.
• الدافع المالي أو الانتقامي: لتحقيق مكاسب دون عناء، أو لتصفية حسابات شخصية أو مؤسساتية.

وبحسب تصنيف الخبير Marcus Rogers، فإن مرتكبي الجرائم الإلكترونية يُصنفون إلى خمس فئات:
1. مبتدئون يستخدمون أدوات جاهزة دون فهم عميق.
2. محترفون يطوّرون برمجياتهم الخاصة.
3. موظفون ساخطون يخترقون مؤسساتهم السابقة.
4. قراصنة تقليديون بخبرة طويلة.
5. مجرمون محترفون أو إرهابيون سيبرانيون يستهدفون الدول والبنى التحتية.

وفي مقابل هذا التهديد، برزت فئة من الهاكرز الأخلاقيين (Hackers éthiques) الذين يُساعدون المؤسسات على اكتشاف الثغرات الأمنية وتقويتها، كأصحاب “القبعة الزرقاء” أو “القبعة الحمراء”.

كيف نحصّن أنفسنا كمواطنين ومؤسسات؟

في ظل توسع الرقمنة في المرافق الإدارية والخدماتية، يُصبح من الضروري التحسيس بمخاطر الجريمة الإلكترونية، وتحصين السلوك الرقمي، عبر:
• عدم نشر الموقع الجغرافي أو تحركاتنا عبر الإنترنت.
• استخدام كلمات مرور قوية وتحديثها دوريًا.
• استعمال برامج مضادة للفيروسات، وتحديث الأنظمة باستمرار.
• التحقق من موثوقية المواقع والجهات قبل إدخال أي بيانات.
• عدم مشاركة المعطيات البنكية أو الشخصية في رسائل غير رسميا

خلاصة

الجريمة الإلكترونية لم تعد مسألة نظرية أو محصورة في الدول المتقدمة، بل هي تحدٍّ راهني يستوجب وعيًا جماعيًا، وتعاونًا بين المواطن، والفاعل المهني، والمؤسسات التشريعية والتنفيذية.
وإذا كان الفضاء الرقمي قد أصبح ضرورة حياتية، فإن صونه من الانحرافات مسؤوليتنا جميعًا

المصدر: العمق المغربي

شاركها.