لم يكن يونس الرشيدي، حرفي الزليج المغربي المقيم بمدينة الدار البيضاء، يعلم وهو يطلب من صديقه أن يصوره بهاتفه أثناء سيره في زقاق بحي الرحمة، أن هذا الفيديو العابر والفكاهي سيتحول إلى مادة دسمة تتداولها قنوات إعلامية معادية لتقديمه في سياق لا يمت لحقيقته بصلة. قصة بسيطة من الحياة اليومية تحولت فجأة إلى محور جدل واسع، مسلطة الضوء على كيفية استغلال المحتوى الرقمي والتضليل الإعلامي.
بدأت القصة عندما انتشر مقطع فيديو ليونس الرشيدي وهو يسير في الحي. وسرعان ما التقطته بعض وسائل الإعلام، أبرزها قناة تلفزيونية جزائرية تقول إنها دولية، لتقدمه في تقرير على أنه دليل على قيام المملكة المغربية بنشر “10 آلاف من المخبرين” للتبليغ عن المواطنين المخالفين لقرار منع النحر العشوائي للأضاحي. القناة قدمت يونس الرشيدي على أنه “مخبر مغربي يراقب المواطنين”، بل ذهبت بعض التأويلات إلى أنه أحد أعوان السلطة المكلفين بهذه المهمة.
لكن القصة الحقيقية جاءت على لسان يونس الرشيدي نفسه، في تصريح لجريدة “العمق”، حيث أوضح يونس أن عددا ممن شاهدوا الفيديو حولوا مساره في اتجاه آخر تماما، “وخاصة وسائل الإعلام الجزائرية التي تداولت الفيديو على أساس أنه راجع لأحد أعوان السلطة وهو يقوم بمراقبة المواطنين يوم العيد من عدم قيامهم بنحر الأضاحي”. مؤكدا بشكل قاطع أن “الفيديو لم يشر من قريب أو بعيد أنه يمثل أعوان السلطة أو غير ذلك”.
وكشف يونس أن الفيديو كان مجرد لقطة “ترفيهية كعادته هو وصديقه”، مشيرا إلى أن صديقه قام في أوقات سابقة بتسجيل فيديوهات عديدة له من نافذة منزله الكائن بمدينة الرحمة. وأضاف يونس لـ”العمق” أنه اتصل بصديقه مباشرة بعد صلاة العيد وأخبره أنه بجانب المنزل، وطلب منه أن يقوم بتصوير فيديو ترفيهي كالعادة من نافذة المنزل. وفي إطار “أسلوب فكاهي”، أخبر يونس صديقه أنه سيراقب البيوت ليرى إن كانت هناك رائحة طعام توحي بمخالفة توجيهات الملك محمد السادس بخصوص الأضحية وتنظيم عملية النحر.
وقال يونس إن تفاجأ بانتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، “بل ونشره على وسائل الإعلام الجزائرية المعروفة بحقدها على كل ما هو مغربي وكذا بعض وسائل الإعلام الإسبانية الموالية لانفصالي البوليساريو والمناهضين للوحدة الترابية للمملكة”، كما صرح للجريدة.
وأشار إلى أن بعض المغاربة، بحسن نية وإضافة نوع من الفكاهة، ساهموا في نشر الفيديو الذي أثار ضجة لم تكن متوقعة. ويعود السبب في عدم توقعه للضجة أنه ليس مؤثرا اجتماعيا، وحسابه على فيسبوك غير معروف على نطاق واسع، ومنشوراته يتقاسمها غالبا مع أصدقائه المقربين وعادة لا يتركها منشورة لأكثر من 48 ساعة.
قصة يونس الرشيدي ومقطعه الفكاهي تحولت، عن غير قصد منه، إلى مثال صارخ لكيفية استغلال نظام العسكر وأذرعه الإعلامية لأي حدث كيفما كان حجمه، في صراعات إعلامية وسياسية، وكيف يمكن تأطير لقطات بسيطة بشكل مضلل لخدمة أجندات العسكر، متجاوزة بذلك حقيقة الموقف ونيّة صانعيه.
المصدر: العمق المغربي