في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها الاقتصاد العالمي وتزايد التوجه نحو المنتجات الأصيلة والمستدامة، برزت الصناعة التقليدية المغربية كفاعل اقتصادي وثقافي وازن في السوق الإسباني، مستفيدة من جودة منتجاتها وتنوعها، وكذا من تنامي الاهتمام الدولي بالصناعات اليدوية.
ووفق معطيات كشفها تقرير رسمي حديث صادر عن مؤسسة “دار الصانع” بشراكة مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن صادرات الصناعة التقليدية المغربية نحو السوق الإسباني بلغت سنة 2024 ما مجموعه 72.23 مليون درهم، مسجلة نموا بنسبة 5% مقارنة بسنة 2023، في وقت تشهد فيه المنتجات الحرفية المغربية حضورا متزايدا على المنصات الرقمية الإسبانية وتقييما إيجابيا غير مسبوق من قبل المستهلكين.
الفوانيس تتصدر قائمة الصادرات
سجلت منتجات الفوانيس (vannerie) أعلى نسبة تصدير إلى إسبانيا، بنسبة 47% من مجموع الصادرات، متبوعة بمنتجات الخزف والحجر بنسبة 21%، ثم الديناندري (الأواني المعدنية) بـ11%. كما برزت المنتجات الجلدية (الماروكينري) والخشب والملابس التقليدية ضمن القائمة، بنسب تراوحت بين 4% و5%، فيما لم تتجاوز نسبة صادرات الزرابي 1%.
وتتمركز عمليات بيع هذه المنتجات داخل إسبانيا أساسا في مدينة غرناطة (44%)، متبوعة بمدريد (19%) وبرشلونة (13%)، مما يشير إلى تمركز قوي للطلب في جنوب إسبانيا والمدن ذات التقاليد السياحية والثقافية.
اهتمام خاص بالحرف المغربية على “إنستغرام”
وأظهر التقرير، الذي اعتمد على منصة “Digimind” لرصد وتحليل الإشارات الرقمية، أن عدد الإشارات المتعلقة بالصناعة التقليدية في إسبانيا بلغ 1.1 مليون إشارة خلال الفترة الممتدة بين شتنبر 2022 وفبراير 2024، منها 12 ألف إشارة خصصت مباشرة للمنتج المغربي، حيث تم تسجيل 38% من هذه الإشارات في مدريد وحدها، ما يؤكد حضور الصناعة التقليدية المغربية في النقاش الرقمي الإسباني.
وكان موقع “إنستغرام” المنصة الرئيسية للتفاعل مع المحتوى المرتبط بالمنتجات الحرفية، متبوعا بالمواقع الإخبارية والمدونات، فيما حظيت منتجات الخزف والنسيج والمجوهرات بأكبر حصة من الاهتمام الرقمي.
المستهلك الإسباني.. جودة، خدمة وتصميم
أبرزت نتائج تحليل رضا المستهلك الإسباني عن المنتجات الحرفية المغربية، بناء على 311 مراجعة تم تحليلها يدويا، أن 91% من الآراء كانت إيجابية. واحتل “خدمة الزبائن” المركز الأول كأهم معيار للرضا بنسبة 23.2%، متبوعا بالتصميم (19.2%)، وظروف التسليم (18.7%)، ثم الجودة (14.3%)، فيما حاز السعر على اهتمام 7.2% من المستهلكين فقط.
ووفقا للتقرير، بلغ المعدل العام لتقييم المنتجات 4.7 من 5، مع تسجيل تقييم 5/5 لمنتجات مثل المجوهرات والخزف والزليج، فيما كانت أضعف نقطة مسجلة هي تلك الخاصة بالغطاء التقليدي (couverture) بـ4/5.
خصائص السوق الإسباني.. مستهلكون رقميون بامتياز
يمثل السوق الإسباني أرضية خصبة لترويج منتجات الصناعة التقليدية المغربية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 96% من الإسبان بين 16 و74 سنة يستخدمون الإنترنت، وأن 72% منهم قاموا بعمليات شراء إلكترونية سنة 2024، بأغلبية يفضلون الدفع عبر البطاقة أو المحافظ الرقمية.
ويولي المستهلك الإسباني أهمية قصوى لعنصري الثقة والجودة قبل اسم العلامة التجارية، ويُفضل الشراء من مؤسسات تقدم خدمة جيدة وتوفر معلومات واضحة عن المنتج. كما أن 68% من المستهلكين يتخلون عن عملية الشراء إذا لم يجدوا وسيلة الدفع المناسبة.
اتجاهات التصميم والديكور.. نحو البساطة والطابع الإنساني
رصد التقرير التحليلي حول السوق الإسباني ثلاث توجهات رئيسية في مجال التصميم الداخلي، تلعب دورا مهما في توجيه ذوق المستهلك الإسباني وتعزيز الإقبال على المنتجات التقليدية، خاصة تلك التي تنسجم مع هذه الأنماط.
أول هذه التوجهات يتمثل في الديكور البيوفيلي، وهو أسلوب تصميمي يولي أهمية بالغة لاستخدام المواد الطبيعية والألوان المحايدة التي تستلهم جمالياتها من الطبيعة، حيث يهدف هذا النمط إلى خلق فضاءات داخلية مريحة ومنسجمة مع البيئة، ويعكس توجها عاما نحو الاستدامة والبحث عن الأصالة.
أما التوجه الثاني، فهو ما يسمى بـالتصميم التعاطفي (empathic design)، والذي يراعي الحاجات النفسية والعاطفية لمستخدمي الفضاءات، حيث يتميز هذا الأسلوب بالسعي إلى التوازن بين الراحة الجسدية والجمالية البصرية، مع اعتماد حلول مرنة ومستدامة تضمن تجربة معيشية أفضل.
في حين يبرز التوجه الثالث من خلال الأسلوب الانتقائي (éclectisme)، الذي يقوم على المزج الجريء بين أنماط ومواد متنوعة، مثل الخشب والمعدن، أو الأقمشة التقليدية والنقوش المعاصرة. ويهدف هذا النمط إلى إضفاء طابع شخصي ومتفرد على فضاءات العيش، مع الحفاظ على انسجام بصري يجمع بين التعدد والوحدة.
مواعيد مهنية كبرى لتعزيز الحضور المغربي
يشدد التقرير على الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها مشاركة المغرب في المعارض والصالونات المهنية المتخصصة في الصناعات التقليدية والفنون الزخرفية، لما توفره من فرص واعدة للترويج والربط مع الأسواق الجديدة، خاصة في إسبانيا التي تحتضن سنويا تظاهرات كبرى في هذا المجال.
في مقدمة هذه التظاهرات، يبرز معرض Farcama الذي يقام مرتين في السنة، ويُعد من أبرز الفضاءات الدولية المخصصة للحرفيين. يضم المعرض تشكيلة واسعة من المنتجات، تشمل الخزف، النسيج، الجلد، المجوهرات، إلى جانب أعمال الزجاج والخشب.
ويأتي معرض Intergift في طليعة الفعاليات المخصصة للزينة والهدايا، ويُنظم في العاصمة مدريد. يتميز بتنوع فضاءاته، حيث يضم أقساما للمفروشات والديكور المنزلي، إضافة إلى النسيج وابتكارات موسم الأعياد، ما يجعله منصة مثالية للمنتجات المغربية الأصيلة.
كما يكتسي Feria Hábitat Valencia أهمية خاصة، باعتباره واحدا من أكبر المعارض الأوروبية المتخصصة في الديكور والمفروشات. يشكل هذا الحدث واجهة رئيسية لعرض أحدث الابتكارات والتوجهات في التصميم الداخلي، ويُعد مناسبة مواتية لتوسيع الحضور المغربي في السوق الأوروبي.
أما معرض Cevisama، فهو مخصص للمتخصصين في السيراميك ومواد البناء، ويضم عروضا لأحدث التقنيات والمنتجات المرتبطة بالحمامات، الأرضيات، والأحجار الطبيعية، مما يفتح المجال أمام الحرفيين المغاربة العاملين في مجال الزليج والخزف.
ويُعد Feria Argilla Argentona الحدث الأبرز في مجال الفخار والخزف بإسبانيا، إذ يجمع سنويا نخبة من الحرفيين المحليين والدوليين، ويتيح لهم عرض أعمالهم مباشرة للجمهور، إلى جانب تنظيم ورشات حية ومعارض موازية، ما يرسخ مكانته كمنصة مثالية لإبراز الإبداع المغربي في فنون الطين والنار.
إجراءات تصدير واضحة وإطار تنظيمي محفز
إلى ذلك، نبه التقرير المصدرين إلى ضرورة التسجيل في “السجل المحلي للمصدرين لمنتجات الصناعة التقليدية” (RLEPA)، والحصول على شهادة المراقبة من المديريات الجهوية، إلى جانب الالتزام بالتعليمات الخاصة بالتغليف، والتوسيم، واستخدام اللغة الإسبانية في البيانات الأساسية للمنتج.
كما أكد على ضرورة احترام أجل أقصاه 150 يوما لاسترجاع عائدات الصادرات، والالتزام بنظام التسمية الجمركية الموحد.
وكانت المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا قد سجلت رقما غير مسبوق سنة 2024، بلغ حوالي 24 مليار يورو، حيث حققت الصادرات الإسبانية نحو المغرب نموا قدره 68%، بينما ارتفعت الواردات من المغرب بنسبة 9.1%، ما يبرز متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويعزز فرص ولوج الصناعة التقليدية المغربية للأسواق الأوروبية.
المصدر: العمق المغربي