أمد/ في هذه الأيام تحتفل الشعوب الإسلامية بعيد الأضحى المبارك، وسط مشاهد الحجاج في الأراضي المقدسة، وتكبيرات العيد أثناء الصلاة، كما هو معتاد في تلك المناسبة كل عام، ولكن بين فرحة الملايين بالعيد، يعيش شعب غزة في مأساة غير مسبوقة، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي دمَر الأخضر واليابس، بدافع الانتقام من حركة حماس، بعد هجوم 7 أكتوبر.
شعب غزة المكلوم يدفع ثمن رغبة “حماس” في الوصول للحكم، بعد انقلابها على السلطة الفلسطينية “الممثل الشرعي”، والانفراد بحكم غزة في غضون عام 2007. وهو الأمر الذي كان بمثابة فرصة لإسرائيل، التي تعتبر “حماس” جهة غير شرعية، واستغلال حالة الانقسام السياسي، في محاولة للتوغل داخل الأراضي الفلسطينية، لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى.
عشوائية حماس
بالتأكيد، أن قرار 7 أكتوبر هو السبب الرئيسي، في حالة الدمار التي يعيشها قطاع غزة، ويعكس عشوائية “حماس” وعدم إدراكها لما قد يواجهه القطاع من رد الفعل الإسرائيلي، الذي جاء بقوة غاشمة، وكأن إسرائيل كانت تنتظر خطأ حماس، لتنفيذ أكبر عملية اجتياح على شعب أعزل في التاريخ، وه ما خلف حالة الدمار الهائل التي لحقت بغزة.
حرب غزة المدمرة، لا تزال تحصد الأرواح وتُغرق القطاع في مزيد من البؤس والمجاعة، ومع ذلك تبدو “حماس” وكأنها تسير في طريق معزول عن الواقع، متشبثة بخيارات عسكرية لن تؤثر على جيش الاحتلال الذي يلقى دعمًا من الولايات المتحدة الأمريكية، تزايد العزلة التي تعيشها الحركة لم يعد مجرد انطباع سياسي، بل حقيقة صريحة تتجلى يومًا بعد يوم، في المواقف الدولية، ورفض الوسطاء التفاعل مع مقترحاتها، بل وحتى في تراجع الموقف العربي الذي كان يومًا يشكل غطاء سياسي لها.
الحركة لا تمثل مصالح المدنيين
لم يكن رد المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، على مقترح “حماس” بشأن إطار عمل صفقة تبادل الأسرى، مجرد رفض لبنود معينة، بل كان رسالة سياسية واضحة أن العالم لم يعد يثق بقدرة الحركة على تمثيل مصالح المدنيين، ولا يرى فيها شريكًا جادًا لتحقيق أي تقدم، إنها رسالة تُضاف إلى سلسلة من التحولات في الخطاب السياسي الدولي الذي بات يحمل الحركة، لا الاحتلال وحده، مسؤولية استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، بسبب تعنتها وميلها للمقامرة الدموية.
حتى الدول التي كانت تُبدي تعاطفًا تقليديًا مع “حماس”، بدأت تنأى بنفسها عن دعمها سياسيًا أو حتى إنسانيًا، وهناك تراجع ملحوظ في الخطاب الرسمي العربي تجاه الحركة، مقابل دعم متزايد للجهود الدبلوماسية التي تقودها السلطة الفلسطينية، وهو مؤشر على فقدان “حماس” لعمقها الاستراتيجي، بعد أن اختارت التصعيد العسكري خيارًا وحيدًا، رغم التحذيرات، ورغم حجم الدمار الهائل الذي خلّفته مغامرتها في 7 أكتوبر.
الأخطر من كل ذلك، هو ما يحدث على مستوى العلاقة بين “حماس” وسكان غزة أنفسهم، لم تعد المعاناة اليومية للمدنيين تُقابل بتعاطف مع قيادة الحركة، بل بدأت تظهر فجوة عميقة بين ما يريده المواطنين توفير الأمن والغذاء والخروج من الجحيم، وبين ما تصر عليه “حماس”، من شعارات قتالية ومواقف لا تعكس أي مرونة أو مراجعة للمسار، تبدو القيادة السياسية والعسكرية للحركة وكأنها في عالم منفصل، تُصدر بيانات من تحت الأرض، بينما الناس فوق الأرض يبحثون عن “لقمة” تسد جوع أطفالهم تحت الأنقاض.
الإصرار على القتال
الإصرار على القتال في ظل هذا الحجم من التدمير والعزلة، لا يبدو بطوليًا، بل عناد على حساب المصلحة الوطنية، ومن المقلق أن تواصل قيادة “حماس” تمسكها بخيارات ميدانية لم تعد تملك أدواتها، ولم تحقق إلا مزيدًا من الألم، ومن المؤلم أكثر أن لا تعترف هذه القيادة أن أول واجباتها تجاه الشعب هو حمايته، لا الزج به في معركة طويلة الأمد لا يعرف أحد مداها.
لا يمكن لحركة تفقد ثقة الوسطاء، وتُتهم من أهالي غزة بالتقصير، وتخسر حلفاءها الإقليميين، أن تستمر في تقديم نفسها كممثلة للشعب الفلسطيني، فالشرعية تُستمد من خدمة الشعب، لا من صواريخ تُطلق من بين الركام لتجلب بعدها دمارًا وهلاكًا، وإذا لم تُراجع “حماس” مواقفها، وتتوقف عن الاستهتار بمعاناة المدنيين، فإنها لن تكون فقط معزولة دوليًا، بل ستكون في عزلة داخلية قد تُكلفها وجودها ذاته في المشهد الفلسطيني مستقبلاً.