انضمت بريطانيا، رسميا، إلى الدول الدعمة للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء المغربية، ضمن زخم دولي كبير للموقف المغربي الذي بات يحظى بدعم أكبر الدول المؤثرة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، وعشرات الدول الأخرى من أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا، وهو ما يزيد من عزلة المشروع الانفصالي للجزائر وجبهة “البوليساريو”.
واعتبرت المملكة المتحدة مقترح الحكم الذاتي، المقدم من قبل المغرب في 2007، بمثابة الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية من أجل تسوية دائمة للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
ويأتي الموقف البريطاني الجديد، فق وقت يتواصل فيه زخم الدعم العالمي لمغربية الصحراء بمواقف قوية لعدة دول من أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مع فتح العديد من البلدان قنصليات لها بمدينتي الداخلة والعيون، معبرة بذلك عن تأييد ملموس المغربية الصحراء.
وعبر حوالي 110 بلدان أعضاء في الأمم المتحدة، من بينها عضوان دائمان في مجلس الأمن هما: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، و 19 عضوا في الاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي، فضلا عن منظمات إقليمية، عن دعمها الواضح والصريح لمخطط الحكم الذاتي.
واقعية سياسية
في هذا السياق، يرى الباحث في العلوم السياسية محمد ضريف أن موقف بريطانيا الأخير يعبر عن واقعية سياسية متقدمة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجيوسياسية في شمال إفريقيا وموازين القوة الفعلية في الميدان.
وأضاف ضريف، في تصريح لجريدة “العمق”، أن اعتبار لندن لمقترح الحكم الذاتي “الأكثر مصداقية وبراغماتية” يعكس اقتناعا متزايدا لدى القوى الدولية الكبرى بأن المبادرة المغربية تشكل الإطار الجاد والوحيد الكفيل بإنهاء النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وأكد المتحدث ذاته، أن هذا التحول في الموقف البريطاني يندرج في إطار دعم متنامٍ لجهود المغرب الجادة وذات المصداقية، كما تم التنويه بذلك في قرارات مجلس الأمن، كما يعكس رغبة لندن في تعميق شراكتها الاستراتيجية مع الرباط، باعتبار المغرب شريكا موثوقا وفاعلا أساسيا في حفظ الأمن والاستقرار الإقليميين.
وختم الباحث تصريحه بالقول: إن “الموقف البريطاني يتماشى مع الدينامية الدولية المتصاعدة الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، والتي أصبحت تحظى بقبول واسع ومتزايد على المستويين الإقليمي والدولي”.
حكم ذاتي
بعد مرور ما يقارب عشرين سنة على إعلان المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، لا تزال هذه المبادرة تحظى بترحيب واسع في الأوساط الدولية وتُطرح بإلحاح على طاولة النقاش الأممي باعتبارها الإطار الأوحد لحل سياسي نهائي لقضية الصحراء المغربية.جولات سياحية في المغرب
المبادرة، التي سلمها آنذاك مصطفى ساهل، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام السابق بان كي مون، لم تكن مجرد ورقة دبلوماسية عابرة، بل تعبيرا عن تحوّل استراتيجي في تعاطي المغرب مع نزاع عمر لما يقرب خمسة عقود، وذلك عبر مقاربة تقوم على التفاوض والتوافق ضمن سقف السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
الوثيقة، التي عكست إرادة سياسية واضحة لدى الرباط، وُصفت منذ البداية بأنها رد متقدم على نداءات مجلس الأمن المتكررة التي طالبت الأطراف المتنازعة بتقديم حلول جدية وواقعية تتجاوز الجمود السياسي، فيما اعتبر المغرب أن تقديم هذه المبادرة يدخل في صميم جهوده لبناء نموذج ديمقراطي متجذر في دولة القانون والحريات، يقوم على التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع ضمان مشاركة أبناء المناطق الصحراوية في تدبير شؤونهم بأنفسهم، من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية تمارس صلاحياتها في إطار مبدأ تكافؤ الفرص.جولات سياحية في المغرب
ومع توالي السنوات، تحول مشروع الحكم الذاتي من مجرد مبادرة سياسية إلى حجر زاوية في الخطاب الدبلوماسي المغربي، حيث بات يُقدَّم على أنه الأساس الوحيد الممكن لتسوية النزاع المفتعل، وهو ما أكد عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس في أكثر من خطاب رسمي، مشددا على أن لا حل خارج سيادة المملكة ولا تفاوض حول مغربية الصحراء.
بنود المقترح
المبادرة تنصّ على تمكين سكان الصحراء من إدارة شؤونهم المحلية بشكل ديمقراطي، في مجالات مثل التنمية الاقتصادية، والتخطيط الجهوي، والتعليم، والصحة، والثقافة، والبيئة، مع الاحتفاظ للدولة المركزية باختصاصاتها السيادية في مجالات الدفاع، الأمن، العلاقات الخارجية، والسلطات الدستورية والدينية للملك باعتباره أمير المؤمنين.
كما تلتزم الدولة بتخصيص الموارد المالية الكافية لتأهيل الجهة وتمكينها من الإسهام الفعلي في التنمية الوطنية، عبر نظام تمويلي متعدد المصادر يشمل الضرائب المحلية وعائدات الثروات الطبيعية، بالإضافة إلى الدعم المالي التضامني من الدولة.
وقد حرص المغرب من خلال هذا التصور على تأكيد رغبته في إدماج كافة أبناء أقاليمه النوبية، سواء المقيمين داخله أو أولئك المتواجدون بالخارج، في إطار عادل ومنصف، يضمن مشاركة الجميع في مؤسسات الجهة، ويكرس حقوقهم كاملة في إطار المساواة مع باقي المواطنين.
كما تقدم المشروع بتصور واضح بشأن كيفية تشكيل الهيئات التمثيلية، وعلى رأسها برلمان الجهة الذي يتشكل من تمثيلية قبلية واقتراع مباشر، إضافة إلى تمثيلية نسائية، بينما يتولى رئيس حكومة الجهة المنتخب من قبل البرلمان الجهوي والمعين من قبل الملك تسيير الجهاز التنفيذي المحلي.جولات سياحية في المغرب
القضاء المحلي بدوره يندرج ضمن رؤية شاملة لاستقلالية الهيئات الجهوية، من خلال إحداث محكمة عليا جهوية تُعنى بتأويل قوانين الجهة، على ألا تمس بصلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو المحكمة الدستورية على المستوى الوطني. أما القوانين المحلية فتلزم بمقتضيات الدستور وميثاق الحكم الذاتي، ضمانًا للتناسق القانوني والوحدة التشريعية للدولة.
المصدر: العمق المغربي