أمد/ في الصراعات الحديثة، لم تعد الحرب تقتصر على القتال المباشر بالسلاح بل تحولت إلى استراتيجيات أكثر خبثاً تهدف إلى كسر إرادة الشعوب من خلال حرمانها من مقومات الحياة الأساسية فأصبح التجويع سلاحاً فعالاً في حروب القرن الحادي والعشرين حيث تحاصر المدن، وتُقطع الإمدادات الغذائية، وتُهدم البنى التحتية كجزء من تكتيكات الحرب الشاملة، وفي المقابل تحولت المساعدات الإنسانية في بعض الأحيان إلى أداة للخداع والقتل، سواء عبر تسميم المساعدات أو استخدامها كطعم لجذب الضحايا إلى مناطق القصف.

الإبادة الصامتة

تاريخياً استُخدم التجويع كأداة قمع وإبادة من حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية إلى حصار المدن السورية في العقد الماضي حيثُ حُوصرت مدن مثل الغوطة وتم منع وصول الغذاء إليها لسنوات كجزء من استراتيجية الاستسلام أو الموت.

ووفقاً للأمم المتحدة فإن 60 %من ضحايا المجاعات الحديثة هم نتيجة حروب وحصارات متعمدة، وليس بسبب نقص الموارد الطبيعية… فالحكومات والجماعات المسلحة تدرك جيداً أن تجويع المدنيين أسرع طريقة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية حيث يموت الضعفاء الأطفال والنساء وكبار السن بصمت بعيداً عن عدسات الكاميرات.

الفخ المميت

لكن الخطر لا يكمن فقط في منع الغذاء بل أيضاً في توظيف المساعدات الإنسانية كأداة قتل..فهناك حالات موثقة تم فيها:

• تسميم المواد الغذائية الموزعة على النازحين.

• استخدام قوافل الإغاثة كطعم لاستهداف المدنيين عند تجمعهم لتلقي المساعدات.

• تحويل المنظمات الإنسانية إلى أدوات تجسس لتحديد مواقع القصف.

في عام 2018م قُتل عشرات المدنيين في غزة عندما اقتربوا من شاحنات مساعدات على الحدود حيث تحولت المنطقة إلى ساحة قنص، وفي الصومال استُخدمت معونات الغذاء في التسعينيات كأداة للسيطرة على المجتمعات الجائعة وإجبارها على الولاء، وكما يحصل مؤخراً في غزة من تجويع لم يحدث بالتاريخ ثم ارسال المعونات والإغاثة ومن ثّمَّ قصف أماكن تجمع الغزاويين في مشاهد نازية لم تحدث ولن تتكرر!

التواطؤ الدولي والصمت الإعلامي

رغم وجود قوانين دولية تحظر استخدام التجويع كسلاح حرب (مثل بروتوكولات جنيف) إلا أن العقوبات تظل ضعيفة في مواجهة الدول والجماعات التي تمارس هذه الجرائم بل إن بعض القوى الكبرى تُشرعن الحصارات الاقتصادية التي تؤدي إلى مجاعات بطيئة كما حدث في العراق خلال العقوبات التسعينيات التي قتلت نصف مليون طفل وفقاً لتصريحات مادلين أولبرايت المثيرة للجدل.

أما الإعلام العالمي فيتعامل مع هذه الكوارث بشكل انتقائي حيث تُسلط الأضواء على بعض الأزمات وتُهمش أخرى وفقاً للأجندات السياسية فمجاعة السودان واعتداءات الدعم السريع على المدنيين وأماكن المواد الاغاثية وما يحدث في غزة المحاصر من أعوامٍ طوال خلفت احصائيات لا محدودة من الجوع والألم لم تحظَ بنفس التغطية التي حظيت بها أزمات أخرى رغم أنها الأسوأ في العالم وفقاً للأمم المتحدة.

إنسانية مزيفة وحرب لا أخلاقية

اللعب بحياة المدنيين عبر تجويعهم أو خداعهم بمساعدات قاتلة هو انحدار أخلاقي غير مسبوق في تاريخ الحروب… فالأطفال الذين يموتون جوعاً، والأسر التي تُقتل وهي تبحث عن رغيف خبز هم ضحايا لنظام عالمي يسمح باستخدام الجوع كسلاح.

فالمجتمع الدولي مطالب بتحويل الشجب اللفظي إلى آليات رادعة حقيقية، وضمان أن تكون الإغاثة الإنسانية درعاً للحماية وليس سيفاً للقتل لأن الحرب التي تستهدف الجياع ليست حرباً عادلة بل هي جريمة ضد الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

شاركها.