أمد/ في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب في غزة، تواجه إسرائيل جبهة داخلية لا تقل خطورة: أزمة تجنيد الحريديم، هذه الجماعة الدينية التي طالما رفضت الخدمة العسكرية، تجد نفسها في قلب الجدل السياسي والأخلاقي الذي قد يعيد رسم ملامح الحكم في إسرائيل.
كمبتدأ منذ تأسيس اسرائيل ، حصل طلاب المعاهد الدينية على إعفاءات تامة من الخدمة العسكرية، بحجة التفرغ لدراسة التوراة، ولكن مع استمرار الحروب وخصوصا الحرب الاخيرة على غزة ونقص القوات والافراد في الجيش، تزايدت الضغوط لإعادة النظر في هذه الامتيازات.
واحتدمت الازمة في يونيو 2024، حين أصدرت المحكمة الاسرائيلية العليا قرارًا يُلزم الحكومة بتجنيد الحريديم، معتبرة أن الإعفاءات تفتقر إلى أساس قانوني.
من جانبها ردت أحزاب الحريديم، مثل “شاس” و”يهدوت هتوراه”، بتهديد صريح بإسقاط الحكومة إذا لم يُلتف على القرار.
نتنياهو، الذي يعتمد على دعمهم للبقاء في الحكم اصبح يواجه معضلة غير مسبوقة: هل يخضع للقانون والضغط الشعبي، أم ينحني لحلفائه خوفًا من الانهيار السياسي؟ لقد وقع في الفخ.
وزير الدفاع يوآف غالانت أيّد علنًا تجنيد الحريديم، مشيرًا إلى أن الحرب تتطلب مشاركة جميع فئات المجتمع. وتشير تقديرات وزارة المالية إلى أن إدماج الحريديم في الجيش يمكن أن يوفر أكثر من مليار شيكل سنويًا من ميزانية الدولة ويخفف العبء عن الجنود الاحتياط.
لكن الواضح ان القضية تتجاوز الأرقام، إنها تمس جوهر الهوية الإسرائيلية. فهل يمكن لدولة تقول إنها ديمقراطية أن تميز بين مواطنيها في تحمل المسؤوليات؟ وهل من المقبول أن تبقى فئة محمية بغطاء ديني بينما الآخرون يدفعون ثمن الحرب؟
الرأي العام بدأ يغلي. احتجاجات جنود الاحتياط، ومقالات الرأي في الصحف، وتصاعد النقد من داخل المؤسسة الأمنية، كلها مؤشرات على أن الصبر بدأ ينفد. لكن نتنياهو، الان في المنتصف، يحاول إنقاذ حكومته بأي ثمن، في نفس الوقت الذي يخوض فيه معارك سياسية وقضائية متزامنة، ولا يملك رفاهية خسارة الحريديم.
في النهاية، الأزمة الراهنة لا تتعلق فقط بتجنيد الآلاف من الشباب الحريديم، المؤشر يقول إنها مرآة لأزمة أعمق: تحالفات بنيت على الامتيازات، لا على المبادئ ، وحرب غزة، بدلًا من أن توحد الإسرائيليين، كشفت هشاشة العقد الاجتماعي الذي يحكمهم.