وزارة برادة تشجع على الرقص والتشقليب!

مرة أخرى تعود وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في عهد الوزير محمد سعد برادة لاستفزاز مشاعر آلاف الأسر المغربية، إثر إقدامها بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية، الرشاقة البدنية والأساليب المماثلة، وبتعاون مع الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، على تنظيم دورة تكوينية لفائدة أساتذة مادة التربية البدنية والرياضة، ليس من أجل تعزيز قدراتهم في الرفع من مستوى الوعي لدى تلامذتهم بأهمية قيم الانضباط والاحترام والتحصيل في بناء المستقبل ومحاربة العنف والهدر المدرسي وغيره، بل في ممارسة رياضة “الهيب هوب” و”البريكينغ”، بدعوى أن هذه الخطوة تأتي في إطار التوجه الاستراتيجي للوزارة نحو تنويع الرياضات المدرسية وإدماج أنشطة جديدة في المناهج التعليمية.
وتعد رياضة “الهيب هوب” أو موسيقى “الهيب هوب” أو موسيقى “الراب”، واحدة من أنواع الموسيقى والثقافات التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت عبر العالم، وهي إلى جانب كونها فنا شعبيا يجمع بين عدة عناصر، أنشأه الأمريكيون من أصول إفريقية مع غيرهم من القادمين من بورتوريكو وجامايكا إلى نيويورك في بداية السبعينات، تعتبر هي ورياضة ال”بريكينغ” من أحدث الرياضات الأولمبية التي يمتزج فيها الفن بالرياضة، وتتطلب ممارستها القدرة على إتقان الدوران والتوازن مثل لاعبي “الجمباز”، ولكن بطريقة تتناغم مع إيقاع الموسيقى، التي لا تكون من اختيار اللاعب…
وهي المراسلة التي خلفت سيلا من الانتقادات الحادة للوزارة الوصية، وأثارت موجة عارمة من السخرية بين المربين وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وأعادت إلى الأذهان ما أقدمت عليه ذات الوزارة في عهد مهندس النموذج التنموي الجديد والوزير السابق شكيب بنموسى خلال السنة الفارطة، حين دعا مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى تشجيع تلاميذ المؤسسات التعليمية على ممارسة رياضة “الغولف”، بدعوى أن الرياضة المدرسية تكتسي أهمية بالغة كمكون أساسي في المنظومة التربوية والرياضية، وفي إطار دعم وتشجيع المتعلمين على الممارسة الرياضية وتنويع العرض الرياضي بالمؤسسات التعليمية، عوض استمرارهم في النفور منها وتقديم شواهد طبية من أجل الإعفاء من ممارستها. ولاسيما بعد النتائج التي حققتها البطولة الوطنية المدرسية للغولف خلال الموسم الدراسي 2023/2024، استعدادا للمشاركة في ذات البطولة التي ستستضيفها بلادنا خلال السنوات: 2025/2026/2028.
ألا تندرج مثل هذه المراسلات، فيما يمكن اعتباره من العبث التربوي أو “الضحك على الذقون”، وتعكس انفصال القائمين على الشأن التربوي ببلادنا عن واقع المدرسة المغربية؟ إذ كيف يستقيم الحال ونحن ندعو إلى ضرورة تكثيف جهود الجميع من أجل وضع قطار التعليم على السكة الصحيحة لضمان انطلاقة موفقة، في ظل التمادي في استنساخ مذكرات وزارية لدول أجنبية، والسعي نحو جر التلاميذ إلى ممارسة “الغولف” و”الشقلبة” في غياب الأطر اللازمة والشروط الضرورية، بدل التفكير الجاد في النهوض بالأوضاع المتردية للشغيلة التعليمية والمنظومة التربوية وتجديد البرامج والمقررات الدراسية التي عفا عنها الزمان، ولم تعد قادرة على مواكبة مستجدات العصر؟ ثم أين نحن من الإصلاحات البنيوية، الدفع بتلاميذ مؤسساتنا التعليمية نحو المثابرة والجدية في التحصيل، التربية على المواطنة، التشجيع على الذكاء الاصطناعي وتكريس القيم النبيلة والمثل العليا؟
ففي هذا السياق سارعت بعض الفعاليات التربوية والنقابية إلى التعبير عن رفضها التام للمذكرة الوزارية رقم 356/25 الصادرة في 15 ماي 2025 في شأن التكوين الخاص بتدريس الهيب هوب والبريكينغ، الرامية إلى جر القطاع لمستنقع التفاهة والتفسخ والابتذال من خلال إغراقه بمذكرات عبثية، تسعى إلى تحويل الفضاءات المدرسية إلى ساحات للرقص والشقلبة بدل أن تكون مشتلا للتربية والتكوين، باعتبار المدرسة فضاء لصناعة العقول وتنشئة الأجيال على مجموعة من الكفايات والمهارات وقيم العلم والمعرفة والهوية الحضارية الجامعة للمغاربة على اختلاف هوياتهم الثقافية والدينية والاجتماعية.
والأدهى من ذلك أن المراسلة جاءت في توقيت دقيق، من حيث انشغال التلاميذ بالتحضير للامتحانات الإشهادية ويعيشون ظروفا نفسية وذهنية صعبة، تستدعي التركيز الجيد من أجل الفهم والاستيعاب. ألم يكن حريا بواضعي هذه المذكرة المثيرة للجدل العمل على توجيه التلاميذ نحو بناء المستقبل المشرق في العلوم والرياضيات والهندسة والفكر وغيره، بدل الدفع بهم نحو احتراف الشقلبة؟ وهل للوزارة الوصية أن تكشف لنا عن المعايير البيداغوجية والثقافية التي اعتمدت في إدماج هذا النوع من التكوينات في فنون الرقص والشقلبة في المنهاج التربوي بالمدرسة العمومية، وعن الدور الذي يمكنها أن تلعبه في ترسيخ القيم وتقوية الكفايات الأساس، وتحقيق ما نتطلع إليه من جودة، فضلا عن الحد من تراجع مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلمين ومكافحة العنف وتقليص نسب الهدر المدرسي؟
يبدو أن قدر قطار التعليم أن يظل يراوح مكانه غير قادر على الإقلاع صوب الاتجاه الصحيح، مادام المتناوبون على قيادته غير قادرين على التخلص من الارتعاش والارتباك والتخبط، ويفتقرون إلى الإرادة الحقيقية والخبرة الكافية، وإلا كيف يمكن تفسير قفز وزارة برادة على تراثنا الفني الزاخر بالألوان الأصيلة من الطرب والغناء والرقص، والاتجاه نحو الثقافات الغريبة عن السياق القيمي والاجتماعي المحلي؟
وعليه فإننا نضم صوتنا إلى كل الأصوات الحرة والغيورة، التي تطالب بضرورة سحب المذكرة البئيسة، الداعية إلى هذا المسخ المسمى “هيب هوب” و”بريكينغ” الذي من شأنه إفراغ المدرسة من دورها التأطيري وإنتاج القيم الفاضلة، ولن يؤدي بالقطاع سوى إلى مزيد من التردي والفشل والتفاهة…
اسماعيل الحلوتي
المصدر: العمق المغربي