اخبار العراق

قاآنيّ المدني ببغداد.. لضبط ميليشاته أمّ لعهد جديد مِن العلائقَ


آخر تحديث:

دخل قائد فيلق القُدس الإيرانيّ، الجنرال إسماعيل قاآني، بغدادَ مدنياً هذه المرة؛ فالعادة في زياراته السّابقة يأتي مرتدياً البذلة العسكريَّة؛ قُبيل مؤتمر القمة العربيّة ببغداد، الذي انعقد في 17 أيار(مايو) 2025. تكون للثياب في مثل هذه الأجواء رمزية؛ فالضباط الذي ينتخبون لرئاسة جمهورية أو وزراء، تجدهم يتخلون عن البذلات العسكرية، لأنَّ ارتداءها يرمز إلى حكم العسكر؛ ودخول الجنرال قاآني ببذلة مدنية فيها رسالة إلى إظهار نيَّة التخلي عن العسكرة التي ملأت العراق بتأسيس سلفه قاسم سليمانيّ(قُتل: 2020)؛ فعندما يدخل يشار إليه بالقائد الأعلى لهذه الميليشيات، التي شكلت “الحشد الشّعبيّ”؛ ولا يغرنا الادعاء أنّ الحشد لا علاقة له بقيادة فيلق القدس؛ هذا كلام لا واقع له.

فالحشد الذي اجتمع فيه العراقيون، وقاتلوا مع القوات المسلحة؛ ضد داعش بصفاء نوايا، لم يعد موجوداً؛ ولم يكن في الخاطر أن يبقى جيشاً موازياً بالعدة والعدد للجيش العراقيّ؛ ويرهق ميزانية الدولة بعشرات المليارات، وهو لم يلتزم أوامرها، فالولاء إيرانيّ، وحتَّى استيراد أسلحته ومعداته تتم عن طريق قادته مباشرة؛ وما كان حرص الدَّولة والثّورة الإيرانية ممثلة بآية الله عليّ خامنئي على الحشد، لو لم يكن يمثل له الحرس الثَّوري بالعراق؛ فلم يزر خامني وفد عراقي إلا أوصاه خيراً بالحشد الشّعبيّ، لأنه حشده لا حشد العراق.

لكنَّ السؤال لماذا يأتي قاآني دون غيره، ويُستقبل مِن قِبل الأمن الوطني العراقي؛ وهو قائد فيلق القدس المسؤول عن النشاط الميليشياوي خارج إيران؟ بما يتعلق بحركات التّحرر، المؤسسة التي تشكلت بُعيد الثورة، واعدم أول مسؤول عنها وهو مهدي هاشميّ(1987)، أي في حياة مرشد الثورة آية الله الخميني(تـ: 1989)، وعلى أثر ذلك دُق أسفين بين الخميني وآية الله منتظري(تـ: 2009)، فهاشميّ كان صهراً لمنتظريّ، وهي ضربة لنائب الخميني وخليفته، قبل أن تكون قضية عما،لة وتسريب أسرار العلاقة مع الأمريكان.

أجاب أحد المعلقين العراقيين على السؤال الذّكور، وأراه محقاً، أنّ وجود الجنرال قاآني له علاقة بضبط الميليشيات خلال فترة انعقاد مؤتمر القمة العربيّة(34)، التي يظهر قادتها ويهددون بالقصف في حال حضور الرئيس السوري؛ بل ونقول إن حضور قاآنيّ مدنياً رسالة تقول: إنّ العمل العسكري انتهى، وأنّ في حالة حدوث شيء لم تكن إيران مسؤولة، وهذه رسالة إلى الدول الحاضرة القمة.

فإذا كان الأمر له علاقة بضبط الحدود مثلما أعلن بيان الزّيارة؛ فلماذا لم يصل وزير الداخلية ، أو مدير إطلاعات، أو وفد من الدفاع أو الخارجية؟ وقاآني معروف أنه قائد فيلق، ما صلته بالدبلوماسية أو العلاقات الأمنية؟ الجواب: ليس غير قائد فيلق القدس مسؤولاً مشاركاً في الأمن العراقي الداخليّ؛ فله نحو سبعين ميليشيا تشكل الحشد الشعبي، هو المسؤول الأعلى عنها، ودعك من الفياض أو العامريّ، فالواقع مثلما عبر عنه قائد ميليشيا بدر هادي العامريّ سابقاً: “إذا قال الإمام حرب حرب، وإذا قال سلم سلم”؛ ومَن يقول إنَّ الحشد والميلشيات تأتمر بغير إيران يُجاب بما قاله معروف الرُّصافيّ(تـ: 1945) في ما بين “النُّورة والزّرنيخ” في الحمامات؛ قال في ما عنونه “حمام الوزارة”: “ألا أبلغوا عني الوزير مقالةً/ له بينها لو كان يَخجلُ تَوبيخُ/ أراك بحمَّام الوزارة نُورةً/ وأمَّا جناب المستشار فزرنيخ”(الدّيوان/ 1959). فمعلوم، بعد أن فاض في النّاس عن جولات سليمانيّ، ودوره في قمع انتفاضة تشرين2019، قالوا: إنه مستشار، وبالتابعية خليفته يكون مستشاراً أيضاً.

كان مؤتمر القمة(34) نقطة تحول في السياسة العراقية وسياسة المنطقة؛ فعلى غير العادة لم يشر العراق، لا في خطاب رئيس الجمهورية، ولا رئيس الوزراء العراقيين، إلى إيران بفضل من الأفضال، ولا إلى الحشد الشَّعبي أنه “حمى أعراض العراقيين”، وكان هذا الموال حاضراً في كل المؤتمرات، بل إن رئيس الوزراء تضامن وحرص على أمن سورية واستقرارها، وبحضور وفدها، وهذا ما ليس ترغبه إيران؛ كذلك حضر رئيس مجلس الرئاسة اليمني رشاد العلميّ وهاجم صراحة الميليشيا الحوثية، التي لها مقر ببغداد، والميليشيات كافة.

عودٌ على بدء، كي لا يساء الفهم “العلائق” في العنوان؛ فالعلاقة تُجمع على “علائق”، وكذلك المعلقة، أي المرأة مِن النّساء التي لا ينصفها زوجها ولا يخلي سبيلها، تجمع على “علائق”، وبما يُعلق مِن الدّيات؛ وهذا الفرزدق(تـ: 110هـ) يقول: “مّلْتُ من جرمٍ مثاقِيلَ حاجتي/ كريمَ المُحيّا مُشنقاً بالعلائقِ”(الزّبيديّ، تاج العروس مِن جواهر القاموس)، وقد قصدنا الأولى، فالميشليات، بعد أنّ تخلى قاآنيّ عن نجومه وأسيافه، سيحسم أمرها، ولم تبقى معلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *