مع استمرار الحرب في السودان.. أين تتجه بوصلة الشباب؟

تقرير : ندى رمضان
على الرغم من استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية يظل الأمل في بناء وطن مدني ديمقراطي قائم وسط الشباب السوداني الذي ما زال يواصل نضاله اليومي من خلال مبادرات شبابية تسعى لإنهاء الحرب والدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي هذا السباق نستكشف تأثيرات الحرب على الشباب وفرص الوصول الى السلام وبناء دولة مدنية . وصف الناشط والإعلامي عمر محمد آدم في إفادة لـ (مداميك) الوضع في السودان بعد دخول الحرب عامها الثالث بالمأساوي، وألم يفوق الأمل حيث خلفت الحرب عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، مما جعلها واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، ووصفها انطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة بـ(الكابوس).
الشباب السوداني تأثر بشدة، حيث تعطلت طموحاتهم في بناء وطن مدني ديمقراطي، ومع ذلك، يواصلون النضال من خلال مبادرات شبابية تسعى لإنهاء الحرب والدفاع عن حقوق الانسان ولتخفيف المعاناة مثل التكايا وغرف الطوارئ وتحقيق السلام مثل المشاركة في المناسبات الدولية.
رغم التعقيدات، والنزوح واللجوء هناك فرص للخروج من الأزمة عبر حوار شامل يستثني مشعلي الحرب والمنتهكين حتى لا نؤسس للمكافأة بدل المحاسبة والإفلات من العقاب بدل العدالة الانتقالية وإصلاحات سياسية ،وعسكرية وأهمها حل جميع المليشيات وازالة التمكين السياسي.
لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية داخلية حقيقية وتعاون دولي فعال في الضغط والمساندة والدعم.
ومن جانبه قال عضو لجان المقاومة ‘الميثاق الثوري لسلطة الشعب، خالد اليسع لـ(لمداميك) ،من الوهم افتراض ان الشباب موحدين حول وجهتهم الحياتية.
وقال ” الوضع الحالي وضع تمزيق للسودان.. كم اعرفه وتربيت وعملت لأجله .. ولا اقول ان طموحي تاثر ولكن أصبحت التحديات أكبر وتحتاج لعمل أكثر ”. هنالك فرصه للخروج من الأزمة الحالية ولكن لايمكن أن يتم ذلك بدون عمل قاعدي حقيقي ومثابر ، يشمل تنظيم السودانيين والسودانيات انفسهم وخوض نضال سياسي واقتصادي واسع ضد الحرب والسياسات التي تنتجها.
ويبداء ذلك بالالتفاف حول رؤية الميثاق الثوري لانهاء الحرب وبدء تطبيقها عملياً . ومن جهته ترحم الناشط محمد آدم بركة على ضحايا الحرب خاصة المدنيين الأبرياء الذين خُطفت أرواحهم جراء الصراع الممتد، وتمنى العودة الآمنة للمختفين قسريا والمرغمين في غياهب معتقلات الجيش والدعم السريع.
وقال فيما يتعلق بتوجهات الشباب ان بوصلتهم تتجه إلى مصير مجهول وقاتم، كما هو حال البلاد التي لا نعلم مصيرها وفق مجريات الحرب التي عجز الجميع عن توصيفها بشكل دقيق، حتى مشعلوها ربما الآن لا يعرفون مصيرهم ومصير البلاد.
وأضاف حين تتوقف الحرب ستتضح تطلعات الشباب الذين لا تزال أحلام البناء معقودة على أعناقهم وعزمهم مسلوب الإرادة بفعل الحرب (حا نبنيهو البنحلم بيهو يوماتي.. الخ) عند توقف آلة الموت، فبالتأكيد لا شيء سيتحقق دون وقف الحرب اللعينة رغم توجه غالبية الرؤى والهموم والأفعال أيضًا كل وفق قدرته في السعي نحو وقف الحرب.
بركة قال أن الوضع الماثل الآن يليق بأن نسميه (فوضى العبث الكارثي الممتد) في نظري، لأن الحل واحد لا سواه وهو (وقف الحرب).. كاذب من ظن أن هناك طرف سيحسم المعركة لصالحه، فهو محض افتراء وخطوة نحو المزيد من الدمار وسلب الأرواح وتوالي سوء الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.
لم تترك الحرب اللعينة شيء لم يتأثر، أحلام وطموحات وتطلعات قُتلت في وقت كنا استنشقنا خلاله عبق الحرية وبدأت الأمور تمضي إلى واقع مبشر ومحفز في ظل الواقع المدني الديمقراطي، ولكن سرعان ما انقلبت الموازين وتبددت التطلعات، فتعلقت أرواحنا منذ اشتعال الحرب بأمل واحد لا غيره، وهو أن تعود الأمور إلى نصابها بوقف البندقية أولاً ثم النظر في تحقيق ورسم الواقع الذي نستحقه وتسحقه بلادنا وأهالينا في ربوع السودان الكبير.
مؤكداً أن لا خيار أمام الشباب سوى النضال بكافة الوسائل التي تمكن من وقف آلة الحرب التي ظلت تغتال أبناء السودان وتسلب مقدراته وثرواته.
وفي حديثه عن المخرج قال : ” الفرص أمام تحقيق أهداف ثورة ديسمبر لن تنعدم مطلقًا، لأن ثورة ديسمبر ظلت تبتكر الوسائل لصنع الفرص التي تحقق الأهداف في ظل النظام المباد يحاول بوسائل الوحشية يعمل على اجهاض الفرص ومحاربة ثورة ديسمبر وشبابها، ولكن عزم الشباب سيظل قوي لن ينكسر حتى تحقق الأهداف بالوصول لنظام مدني ديمقراطي يراعي كافة الحقوق لشعب السودان دون اقصاء.. هذه الحرب واحدة الأدوات والوسائل الهادف لاخماد نار الثورة، ولكن سيظل مشتعلا في قلوب كل من وثق بها وشعاراتها وأهدافها ووسائلها المتجددة، واحدة من أهداف الثورة هي التعاضد الاجتماعي ووقف معاناة أبناء الشعب، فخلال الحرب حولت غرف الطوارئ جهدها في خدمة إنسان السودان من خلال المطابخ الخيرية ومبادرات الإجلاء وغيرها من الأمور التي تعد من الفرص التي تمضي لتحقيق الأهداف ”. فلطالما التفكير جله ينصب الآن لأجل وقف الدمار، وحين يتحقق ذلك نكون خطونا أولى الخطوات التي تعزز من تحقيق أهداف ثورة ديسمبر بشكل أمثل.
وقالت عضوة لجان المقاومة بجنوب الحزام محاسن اتيم : ” أنا شخصياً، أشعر بالحزن والقلق بالنسبة للوضع الحالي. الحرب دمرت أحلامي وطموحاتي، وأجد صعوبة في رؤية مستقبل واضح ومشرق. الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة تجعلني أشعر باليأس أحيانًا، ولكنني ما زلت أؤمن بأن هناك فرصًا للخروج من هذه الأزمة. وأعتقد أن الحوار الوطني الشامل والإصلاح السياسي الجذري يمكن أن يكونا خطوات مهمة نحو بناء وطن مدني ديمقراطي.
كما أن الاستثمار في الشباب وتمكينهم من خلال التعليم والتدريب والفرص الاقتصادية يمكن أن يعزز من قدرتهم على المساهمة في بناء الوطن . أتمنى أن نتمكن من العمل معًا، كشباب ومواطنين، نحو مستقبل أفضل ومستدام. يجب أن نكون صوتًا قويًا للتغيير ونعمل على بناء مجتمع متماسك وداعم للجميع ”.
الى ذلك يرى الناشط (م. ا) الذي فضل حجب اسمه ان الشباب في السودان هم وقود للحرب واداة للمظاهرات فقط يستخدمها الساسة كمحطة للوصول فقط وبعدها يتم ريمهم ، مثلما استخدم نظام الإنقاذ الشباب في الحروب تحت راية الجهاد لتحقيق أهداف سياسية، كذلك استخدمت الحرية والتغيير الشباب كدروع لمناهضة نظام البشير وبعد سقوطه اول من خرج من المشهد هم الشباب، وفي أخر المطاف تحولت كل الشعارات لكلمات باهته مستهلكة لأنها تقف ضد مصالح هؤلاء الساسة وتسحب منهم البساط.
الناشط ماهر احمد أشار الى ان الوضع الحالي بعد انتصارات المؤسسة العسكرية يمكن أن يقود إلى تفاوض ويساهم في حل الأزمة في السودان.
ورهن المخرج من الأزمة السودانية بجلوس الاحزاب السياسية في حوار يشمل كل الاحزاب على أن تكون أجندة الحوار قضايا تأسيس السودان واعتراف الاحزاب بالأخطاء التي صاحبة الحكم في السودان منذ مؤتمر المائدة المستديرة .
وقال إن المؤسسة العسكرية هي صمام تماسك الدولة وتجارب انهيار المؤسسات الأمنية سوريا وليبيا والعراق واليمن والصومال، اكبر دليل على أن انهيار المؤسسة الأمنية يعنى تفكيك الدول مع غياب الاحزاب الوطنية التي لها القدرة على تماسك الوحدة الوطنية.
وشدد على تأسيس السودان وفق استقلالية القضاء والخدمة المدنية والاعلام والحركة النقابية وتكوين جيش مهني ومحاسبة كل من اجرم في حق الشعب السوداني منذ 1956 وقيام تنمية متوازنة قائمة على اخذ كل إقليم ٥٠% مساهمة في الدخل القومي.
ومن جانبه قال المحلل والكاتب الصحفي محمد البشير في افادة لـ(مداميك)، إن الحركة الشبابية والطلابية السودانية لها القدح المعلي في طريق الثورة السودانية علي مر التاريخ السياسي بوحدتها ووعيها السياسي المعرفي وقوتها وصمودها علي الآلة القمعية التي كسرت شوكة نظام البشير الاسلاموي في ثورة ديسمبر 2018. وما بين نازح ولاجئ ومقاوم ومقاتل نتيجة لحرب 15 ابريل تباينت المواقف كانعكاس للتباين السياسي العام من الموقف علي الحرب.
فبينما اتخذ كيان شبابي مثل (غاضبون) و(الكتائب الثورية) و(لجان مقاومة الفاشر) تعريفا واضحا أن هذه الحرب ضد الدولة السودانية ومجتمعاتها من مليشيا إرهابية، كان الغالبية العظمي من الشباب المنتمي للأحزاب اتخذ مواقفا متماهية مع قادتها باعتبارها حرب كيزان وانها انقلاب علي الثورة، مانحة مليشيا الدعم السريع صكوك الغفران بالصمت والمطالبة بوقف الحرب دون رؤية واضحة بينما اختار آخرون الصمت.
وأكد محمد بشير أن الحرب كانت عاملاً في تشتيت المجموعة الشبايبة التي كانت منتظمة في أجسام محلية ولجان مقاومة مناطقية. المجموعات المرتبطة بالدراسة تفرقت، البعض واصل التعليم في بلدان اخري والبعض ترك التعليم للأبد للظرف الاقتصادية القاهرة التي تمر به.
وما بين نزوح ولجوء وجزء متبقي تفرقت الكتلة الصلبة علي مستويات اللجان . بيد أن رغم التباين للحالة الشبابية إلا أنها بمختلف رؤاها متمسكة بالتحول المدني الديمقراطي وإن اختلفت الوسائل الي ذلك. المجموعات التي تقاتل تري أن وجود المليشيا يمثل عائقا ولابد من القضاء عليها، وللتوضيح اكثر يتخذ كثيرا من الشباب غير المنتمي سياسيا وخارج نادي النخبة هذا الموقف. بينما المجموعة المرتبطة بالأحزاب ترى أن التفاوض يفضي الي ذلك. والي أن تضع الحرب اوزارها يصبح الموقف اكثر وضوحا من قضية التحول المدني الديمقراطي.
وبدورها قالت الكاتبة الصحفية سنية اشقر لـ(مداميك) : في ظل الحرب والإنهيار، بوصلة الشباب الثوري ما عادت موحّدة، ووصفت ذلك بالأمر الطبيعي وارجعته لتقاطعات المصالح التي جعلت بعضهم يدعم الحرب نتيجة للاستقطاب الحاد في الفترة الانتقالية وخطاب الكراهية بين قوي الثورة.
واستدركت ” هذا لايعني عدم وجود شباب مقاوم ” . وعضدت حديثها بقولها هناك من كسروا حاجز الخوف، ويعملون في اللجان القاعدية، في الحملات الإنسانية، في توثيق الجرائم، وفي إنتاج خطاب نقدي جديد. ولفتت لوجود وعي جديد بتشكّل، واعتبرته بارقة أمل في المستقبل مبني على الفعل والتنظيم ، وزادت ” نقدر نقول انه في شباب قارين كتابهم الثوري بشكل صحيح “.
وفي تحليلها للوضع الراهن قالت انه صعب ومعقد، واكدت أن الحرب فضحت قبح المشروعين العسكريين القائمين على النهب والقمع. واستدركت لكن رغم ذلك الطموح بوطن مدني ديمقراطي لم تتأثر سلبا بالعكس، اصبح أوضح. بأن لا مدنية يمكن ان تتحقق من الأعلى وبشكل فوقي، ولا سلام ممكن أن يبنى على تفاهمات بين الجنرالات. وقالت المدنية الحقيقية يجب أن تكون مدنية قاعدية، من أسفل لأعلى، مبنية على العدالة الاجتماعية، وعلى تفكيك المنظومة القديمة كلها، وليس” ترقيعها’ .
أما عن الخروج من الأزمة، رأت سنية إن الفرص أمام الشباب وبعيدا عن الطرح السائد. الفرصة الحقيقية هي في التنظيم الشعبي ورص صفوف المدنيين الثوريين والوطنيين من جديد، لاستعادة زمام المبادرة من يد السلاح، والمساهمة العاجلة في بناء حركة جماهيرية واعية، تفرض شروطها على أي تسوية قادمة . ونبهت في ظل الوضع المعقد والتدخلات الدولية والإقليمة في الحرب قد يكون الطريق فيه صعوبة، لكنه الطريق الوحيد. وتابعت: ” اي حل ما يضعف سيطرة العسكر، وما يعيد توزيع الثروة، هو حل مؤقت أو ممكن نقول استراحة محارب قبل الجولة القادمة من القمع ”.
وبخصوص الخيارات والتباينات بين دعم المؤسسة العسكرية أو التفاوض كمخرج، قالت الموقف واضح لا الجيش ولا الدعم السريع يمثلون مشروع الوطن . الاتنين أدوات لنفس النظام القديم، وكل محاولات تقديمهم كـ” حماة للوطن” أو كخيار وحيد، هي محاولات لإعادة إنتاج الأزمة. والتفاوض إذا لم يتم تحت ضغط حقيقي من الشارع، وإذا كان بهدف تفكيك السلطة العسكرية والاقتصادية، فسيتحول لمجرد صفقة فوقية. وأشارت نحن في حوجة لبناء بديل ثالث، بديل شعبي، جذري، يفتح أفق جديد، ولا يختار بين سلاحين.
صحيفة مداميك
المصدر: صحيفة الراكوبة