البرلمان الأوروبي يشهد جدلاً حادًا حول “إبادة غزة” ودعوات لتعليق الشراكة مع إسرائيل

أمد/ بروكسل: شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الأربعاء جلسة عامة عاصفة للبرلمان الأوروبي، تمحورت نقاشاتها حول الوضع في قطاع غزة، وخاصة خطة الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على القطاع.
عكست الجلسة، التي ترأستها صوفي ويلمس وشهدت أجواء شديدة التوتر، انقسامات عميقة بين الكتل السياسية الأوروبية، مع تصاعد في الضغوط الأوروبية على إسرائيل بسبب الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع المحاصر.
المفوضية الأوروبية تعرب عن قلقها وتندد بممارسات إسرائيل:
مثّل المفوضية الأوروبية المفوض يانيز ليناريتش، الذي أعرب عن رفض المفوضية القاطع لفكرة إشراف شركات أمنية على توزيع المساعدات في غزة، معتبراً هذا الإجراء “تهديداً لسلامة المدنيين ويمثل خروجاً عن القانون الدولي”.
وأكد ليناريتش “القلق العميق” للمفوضية إزاء الوضع الإنساني الكارثي في غزة، مشيراً إلى أن “ما لا يقل عن 100 طفل توفوا بسبب سوء التغذية، وهناك 70,000 آخرين معرضون للخطر”.
وعارض أي تشديد إسرائيلي في إيصال المساعدات الإنسانية. تعكس هذه المواقف المؤسسية تطوراً في الموقف الأوروبي، الذي تجلى في إعلان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اليوم السابق للجلسة عن مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
انقسام برلماني حاد ومطالب بـ”إجراءات حازمة”:
شهدت الجلسة تباينًا واضحًا في المواقف بين الكتل السياسية، حيث تزايدت المطالبات باتخاذ إجراءات صارمة ضد إسرائيل.
حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط): رغم تركيز النائب ديفيد ليغا على أولوية إطلاق سراح الرهائن، أقر بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني في غزة.
كما رحب النائب البلجيكي فوتر بيكه بالتحقيق الأوروبي في انتهاكات حقوق الإنسان في إطار مراجعة اتفاقية الشراكة، وندد بـ”المجاعة المنظمة” وقصف المستشفيات من قبل إسرائيل.
بعض أعضاء هذا الحزب اعتبروا التعليق السريع لاتفاقية الشراكة هو “الرد المناسب الوحيد”.
مجموعة تجديد أوروبا (وسطية): اعتبرت هيلد فوتمانز أن مجرد مراجعة اتفاقية الشراكة “غير كافية” نظراً لخطورة الوضع، وأدانت بشكل خاص إطلاق النار الإسرائيلي على قافلة دبلوماسية أوروبية في الضفة الغربية.
دعت فوتمانز إلى زيادة الضغط على حماس لتحرير الرهائن وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “لوضع حد للفظائع”.
مجموعات اليسار (الاشتراكيون والديمقراطيون، الخضر، اليسار): تبنت المواقف الأكثر حدة وانتقاداً لإسرائيل.
دعا بيدرو ماركيز من الاشتراكيين والديمقراطيين إلى تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل، بينما انتقدت إيراكستي غارسيا “التطبيق الانتقائي للقانون الدولي”.
وطالب زميلهما البلجيكي إيليو دي روبو بإجراءات ملموسة تشمل تعليق الاتفاقية، وحظر الأسلحة، وحظر استيراد منتجات المستوطنات، ووصف أعمال نتنياهو بـ”المشروع الإبادي”، معتبراً أنه “من الضروري محاكمته”.
من جانبهم، طالب الخضر بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وتساءلت ساسكيا بريكمونت عن اتساق السياسة الأوروبية: “لقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على أكثر من 30 دولة بسبب انتهاكات مماثلة. لماذا ليس إسرائيل؟”.
نقاط توافق وخلاف وسط أجواء متوترة:
رغم تباين المقاربات، ظهرت عدة نقاط توافق خلال الجلسة، أبرزها: القلق الإنساني المشترك إزاء وضع المدنيين في غزة وأزمة الغذاء، وأهمية احترام القانون الدولي الإنساني، وضرورة مراجعة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
إلا أن الخلافات الرئيسية تركزت على ثلاثة جوانب:
توصيف الأعمال الإسرائيلية: حيث استخدمت مجموعات اليسار مصطلحات “إبادة جماعية” أو “مشروع إبادي”، بينما اكتفى الوسط واليمين بالإشارة إلى انتهاكات القانون الدولي.
حجم الإجراءات المطلوبة تجاه إسرائيل: تراوحت المطالب بين مجرد مراجعة اتفاقية الشراكة، والتعليق الكامل لها، وصولاً إلى إجراءات إضافية كحظر الأسلحة وعقوبات ضد المستوطنات.
التوازن في تحميل المسؤوليات: أصرت مجموعة تجديد أوروبا على مسؤولية كل من حماس وإسرائيل، بينما ركز اليسار على الأعمال الإسرائيلية، وذكر اليمين بهجمات 7 أكتوبر مع انتقاد الرد الإسرائيلي.
اتسمت الجلسة بتوتر شديد ومشادات كلامية بين النواب، ما اضطر رئيسة الجلسة صوفي ويلمس إلى تذكير عدة نواب بالنظام.
كما وجهت توبيخاً للنواب الذين كانوا يرتدون رموزاً فلسطينية أو قمصاناً تحمل شعارات سياسية داخل القاعة. هذه الأجواء عكست الاستقطاب المتزايد للمواقف الأوروبية حول هذا النزاع.
تطور الموقف الأوروبي:
تعكس جلسة البرلمان الأوروبي هذه الانقسامات العميقة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الاستجابة للأزمة.
ورغم هذه الانقسامات، يلاحظ تطور ملحوظ في الموقف الأوروبي مع إعلان مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، مما يشير إلى تشدد في موقف الاتحاد الأوروبي إزاء الوضع الإنساني في غزة.
يُتوقع أن تؤثر المواقف المعبر عنها خلال هذه الجلسة على القرارات المستقبلية للاتحاد الأوروبي بشأن علاقاته مع إسرائيل وسياسته في الشرق الأوسط، مؤكدة تزايد القلق ورغبة في التأثير بشكل أكبر على النزاع.