معاداة السامية وتحريف المعنى واستغلاله

أمد/ معاداة السامية هي ظاهرة تاريخية معقدة تحمل في طياتها أبعادًا ثقافية، اجتماعية، ودينية، وقد أثرت على مسار التاريخ البشري بطرقٍ عميقةٍ ومأساويةٍ حيث يُشير هذا المصطلح إلى الكراهية أو التمييز ضد الساميين وهم مجموعة من الشعوب واللغات التي تنتمي إلى عائلة اللغات السامية، وهي فرع من اللغات الأفرو آسيوية، وتشمل اللغات العربية، العبرية، الآرامية، الأمهرية، وغيرها، وتاريخيًا ارتبطت الشعوب السامية بمناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل شبه الجزيرة العربية، بلاد الشام، وبلاد ما بين النهرين.
أما من الناحية الثقافية فقد ساهمت الشعوب السامية بشكل كبير في تطور الحضارات القديمة كالحضارة البابلية، الآشورية، والفينيقية، ويعودُ المصطلح نفسه إلى سام وهو أحد أبناء النبي نوح عليه السلام، وقد حرفها اليهود عبر آلتهم الإعلامية التي حرفت كل شيء إلى أنها معاداةٌ لليهود وحصروا ذلك فيهم وهو مخالف للواقع! فوفقاً للروايات الدينية اليهودية تعد معاداةً لهم كجماعةٍ دينيةٍ وعرقيةٍ فقط!
الجذور التاريخية
معاداة السامية ليست وليدة العصر الحديث بل تمتد جذورها إلى العصور القديمة، ففي أوروبا وبالقرون الوسطى كان اليهودُ يعملون على التآمر ضد المسيحيين ونشر الأوبئةُ مما ولَّد لدى الأوربيين كراهيةً لليهود لسوءِ أعمالهم مما جعلهم يعيشون بعزلةٍ عن كل المجتمعات، وقد استطاعوا طمس تلك الحقيقة بل وجعلوا من أنفسهم ضحايا للمعاداة التي يزعمون والتي ينتهجونها أنفسهم تجاه الآخرين خصوصاً الفلسطينيين الذين استضافوهم حين نبذهم العالم!
التحولات في العصر الحديث
مع دخول العالم إلى العصر الحديث استطاع اليهود جعلها مقتصرةً عليهم وبمساعدة يهودٍ استطاعوا التغلغل بالمجتمعات الأوربية مُدعينَ انتسابهم للمسيحية فجعلوا منها شماعةً لذلِ تلك المجتمعاتِ المسيحية عموماً والأوربية على وجه الخصوص مُستفيدين من المحرقة النازية في القرن العشرين، والتي كانت واحدةً من أحلكِ الفصول في تاريخ البشرية حيث قُتل ملايين اليهود بوحشية.
في العصر الحديث لا تزال معاداة السامية تظهر بأشكالٍ مختلفةٍ سواءً من خلال الخطاب السياسي أو وسائل الإعلام أو حتى في الحياة اليومية، وفي بعض الأحيان يتم استخدام هذه المُسمى كأداة سياسية لتبرير سياساتٍ معينةٍ أو لإثارةِ الانقسامات داخل المجتمعات أو لابتزاز الشعوب والأمم.
وهي ليست مجردَ قضيةٍ تخص اليهود وحدهم بل هي اختبار لإنسانيتنا جميعاً تجاهَ بعضنا البعض والإدراك أن معاداة السامية في القرن الواحد والعشرون يتمثلُ في التطهير العرقي لأبناء غزة في إعادةٍ للتاريخ لنفسه بمحارقٍ لا تختلف عن المحرقة النازية ولكن هذه المرة بأيدي اليهود أنفسهم تجاه الشعب الفلسطيني المقاوم على أرضه… فما يحدثُ هذه الأيام بغزة يُعدُ معاداةً حقيقية للسامية والإنسانيةِ جمعاء ويعدُ التصدي لتلك الجرائم المروعة التي ينتهجها الصهاينة فرضاً على كل الأعراق، ومن الواجب نبذ العنف أياً كان مصدرهُ والحفاظ على قيم التسامح، والحوار الثقافي، والعمل على بناء مجتمعاتٍ تحتفي بالتنوع وتنبذ الكراهية بجميع أشكالها.