اخبار المغرب

نشطاء مغاربة يستعجلون الإفراج عن اللغة الأمازيغية من “سجن الرمزية”

يعد المغرب من بين الدول القلائل في العالم التي نجحت في تدبير تنوعها الثقافي واللغوي، وفي تكوين نسيج فريد يفتخر به كل المغاربة أمام العالم، غير أن هذا النجاح الظاهري لا يمكن أن يخفي حسب مهتمين بالشأن الأمازيغي في المملكة التهميش الذي تعاني منه ثقافة ولغة “إيمازيغن”، بسبب ما يصفونها بـ”العقليات الجامدة والخيارات السياسية المترددة”، التي تجعل من المكاسب القانونية والرمزية التي حققتها القضية الأمازيغية بالمغرب غير كافية وحدها لإيلاء الثقافة واللغة الأمازيغية المكانة التي تستحقها باعتبارها مكونا أصيلا من مكونات الهوية المغربية الجامعة.

وبمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، الذي يصادف الـ21 ماي من كل سنة، دعا نشطاء أمازيغ تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى ضرورة ترجمة الاعتراف الدستوري بالأمازيغية إلى سياسات واقعية تضمن حضورها الفعلي في المدارس والإعلام ومختلف مجالات الحياة ذات الأولوية، معتبرين أن التنوع الثقافي واللغوي الحقيقي، والانتصار لمكونات الهوية الوطنية، لا يمكن أن يكون ومكون ثقافي أصيل مازال يقف في طابور الانتظار متأرجحا بين فصول النصوص القانونية وطموحات الفاعل الأمازيغي بالمغرب.

وضعية وسلوكات

حميد بوهدا، محامٍ وعضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، قال إن “وضعية الأمازيغية على المستوى القانوني تحسنت كثيرًا، إذ تم تحقيق أهم مطلبين من مطالب بيان أكادير لسنة 1991، وهما الدسترة والاعتراف بالسنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا مؤدى عنه، فضلًا عن إخراج القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهما مطلبان مهمان على المستوى القانوني والرمزي”.

وفي المقابل سجّل المتحدث ذاته أن “هذا التغيير لم ينعكس على الحياة اليومية للأمازيغية، ولا على ممارسة الإدارة وتمثلات النخب السياسية والفكرية والإعلامية وخطابها؛ فالإدارة مازالت وفية لنهجها كأن شيئًا لم يتغير، إذ باستثناء تغيير واجهتها بإضافة أسمائها بالأمازيغية مازالت جميع الممارسات قائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر مازالت هناك صعوبات في تسمية المواليد الجدد بالأسماء الأمازيغية، ذلك أن الإدارة تخضع في بعض الأحيان لمزاج الموظف، في وقت يفرض الأمر مواجهة السلوكات المنافية للدستور بمقتضيات زجرية، حتى يتم إخضاع جميع الممارسات للقانون دون غيره”.

وتابع بوهدا، في تصريح لهسبريس، بأن “وضعية الأمازيغية في الإعلام ازدادت سوءًا في الآونة الأخيرة، إذ تدهور مستوى الإذاعة الأمازيغية، ولم تعد تساير الوضع الراهن، سواء على مستوى المضمون أو على مستوى جودة الكفاءات والتجهيزات، كما تعاني من فقر حاد في البنيات التحتية، إذ لا تتمتع بمقر يحترم المكانة الحالية للأمازيغية”، وزاد: “كما أن القناة التلفزية الثامنة بدورها تدهورت برامجها، خاصة الإنتاج الخارجي الذي ارتفعت تكلفته وزادت ميزانيته، إلا أن جودته ضعيفة. ولعل النقاش الحاد الذي عرفته الإنتاجات الرمضانية لخير دليل”.

وسجّل المصرح ذاته “عدم التزام القنوات العمومية الأخرى بنسبة البث المخصصة للأمازيغية المحددة في دفتر التحملات، التي تصل إلى 30%، وهذا فشل أيضًا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري”، مضيفًا أن “هذه بعض المؤشرات فقط التي تؤكد أن وجود إطار قانوني حمائي للأمازيغية لا يعني وجود ممارسة حقيقية لهذه المكانة الجديدة، ما يفرض تغيير العقليات المدبرة لمؤسسات الدولة”.

وعلى مستوى التعليم أشار المتحدث إلى أن “الوزارة الوصية على هذا القطاع فشلت في تعميم الأمازيغية أفقيًا وعموديًا على مستوى الابتدائي والإعدادي، وهو الأمر الذي يولد لدى التلاميذ انقطاعًا في استرسال عملية تعلم اللغة الأمازيغية وثقافتها”، مردفا: “أما على المستوى الأكاديمي والمحلي أو المديري فإن هناك تفاوتًا بين الجهات؛ فالأمر يتعلق بشخص المدير وقناعته الإيديولوجية، فهي المتحكمة في مكانة الأمازيغية في الخريطة المدرسية التابعة له، وهنا تكمن الخطورة؛ ذلك أن الإدارة التربوية على المستوى المحلي تخضع للأهواء والميولات الإيديولوجية للفاعل التربوي الجهوي أو المحلي، وهو ما يبيّن أنه ليست هناك رؤية حكومية أو سياسة دولة في تدريس الأمازيغية”.

وخلص عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي إلى أن “الحكومة الحالية وما سبقها من حكومات كانت دائمًا تتعامل مع الأمازيغية كآلية للمزايدة الانتخابية، لا تحضر على مائدة الأحزاب إلا بمناسبة الموسم الانتخابي، لتعود وتعيش الجفاف السياسي والمؤسساتي بعد قفل أسواق المزاد الانتخابي”، وفق تعبيره.

تجربة ومرجعية

قال علي موريف، باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن “المغرب خطا خطوة أولى في مسار التدبير المعقلن والديمقراطي للتعددية اللغوية والهوياتية والثقافية، إذ إن هناك قرارات أولى مرتبطة بمعالجة هذا الموضوع، تتجلى أساسًا من الناحية السياسية في مجموعة من الخطب الملكية، وكذا في الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية، ثم في بعض المؤسسات التي خرجت إلى الوجود، ومن بينها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلى جانب إنشاء قناة تلفزية وإدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإدارات”.

وأضاف موريف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك تجربة أولية لا بأس بها يمكن أن تشكل أساسًا ومنطلقًا للذهاب بعيدًا في تدبير التعددية الثقافية واللغوية بالمغرب، غير أن هذا الأخير تنتظره مبادرات ورهانات مستقبلية لا بد أن يكون جاهزًا لها من الناحية التشريعية والقانونية والمؤسساتية، لوضع لبنات أخرى أكثر أهمية وأكثر جرأة في تعامله مع هذه الإشكالية”.

وبخصوص حضور اللغة والثقافة الأمازيغية في النسيج المؤسساتي والاجتماعي بالمغرب اعتبر المتحدث ذاته أن “حضور الأمازيغية داخل المؤسسات مازال ضعيفًا إن لم نقل محتشمًا، وإن كانت هناك خطوات وقرارات وإجراءات وتدابير، إلا أنها غير كافية، ولم تنسجم ولم تكن ترجمة حقيقية لما جاء في فصول الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وفي مقتضيات القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”.

ورصد الباحث ذاته “وجود تأخر في تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، الذي حُدّدت له آجال تم تجاوزها دون تحقيق مجموعة من الأهداف، كإدراج الأمازيغية في النقود وفي الوثائق الشخصية للمواطنين”.

ودعا الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى “تكثيف الجهود واتخاذ قرارات جريئة على مستوى الحكومة ومختلف المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وكذلك الخاصة، من أجل النهوض بوضعية الثقافة والهوية الأمازيغية، وتعميم اللغة الأمازيغية في القطاعات الحيوية”، معتبرًا أن “المدرسة هي السبيل الأساسي والمهم لتعميم الأمازيغية وتكوين أجيال جديدة تتملك جوهر الثقافة والقيم الأمازيغية، التي تشكل المرجعية الأمازيغية، وتُعد الأساس الثقافي والتاريخي والحضاري والفكري والقيمي للمجتمع المغربي”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *