اخبار المغرب

السفير موسي يثير الحيرة بالجزائر

رغم الزخم الذي صاحب الأنباء المتداولة حول رفض السفير الجزائري سعيد موسي، المعين لدى البرتغال، العودة إلى بلاده، ظل الإعلام الجزائري في موقف المتفرج، متجنبًا الخوض في التفاصيل أو حتى الإشارة إلى الأمر من قريب أو بعيد. وفي المقابل تناولت وسائل إعلام دولية القضية بكثافة، مستعرضة سيناريوهات عدة، أبرزها فرضية تقديم موسي طلب لجوء سياسي في فرنسا، عقب استدعائه المفاجئ. هذا التناول الخارجي يقابله صمت رسمي وإعلامي داخلي، يفتح الباب أمام تساؤلات حول خلفيات القرار وتداعياته على مستوى المؤسسة الدبلوماسية الجزائرية.

ويعد سعيد موسي أحد أبرز الأسماء في السلك الدبلوماسي الجزائري، إذ راكم تجربة طويلة من التمثيل الرسمي في عدد من العواصم الأوروبية، أبرزها باريس ومدريد، قبل أن يُعيَّن سفيرًا فوق العادة ومفوضًا للجزائر لدى البرتغال في أكتوبر من سنة 2024؛ ويأتي قرار استدعائه، الذي لم تُكشف أسبابه بعد، في سياق حساس، يتزامن مع تحولات في مواقف بعض الدول الأوروبية من قضية الصحراء المغربية، وما تثيره من ارتدادات داخل الدبلوماسية الجزائرية، خاصة تجاه السفراء الذين تربطهم علاقات ممتدة مع النخب الغربية.

التقارير التي تحدثت عن لجوء سعيد موسي إلى فرنسا استندت إلى مصادر إعلامية متفرقة، أشارت إلى أن السفير رفض العودة إلى الجزائر بعد استدعائه، وفضّل البقاء في باريس حيث تقيم عائلته ويمتلك عقارات. وبينما لم يصدر أي تأكيد رسمي من السلطات الفرنسية أو الجزائرية بهذا الخصوص فإن التحليلات ذهبت إلى أن الخطوة تعكس على الأرجح وجود خلافات عميقة بين موسي وبعض مراكز القرار داخل النظام الجزائري، خاصةً في ظل ما يوصف بتشدد المؤسسة العسكرية إزاء مواقف بعض الدبلوماسيين المحسوبين على التيار الإصلاحي، أو الذين أبدوا مرونة في ملفات حساسة كالحدود والعلاقات مع الغرب.

وفي غياب توضيحات رسمية تتقاطع التقديرات حول ما جرى بين سعيد موسي والدولة الجزائرية؛ فبين من يعتبر الأمر تصفية حسابات على خلفية مواقف دبلوماسية “غير منضبطة”، ومن يرى فيه انعكاسًا لصرامة متزايدة في التعاطي مع بعض الوجوه القديمة في السلك الدبلوماسي، تتكثف المؤشرات على وجود أزمة صامتة. وتشير التحليلات إلى أن موسي، الذي يمتلك شبكة علاقات قوية في فرنسا حيث تقيم أسرته، ربما لم يعد يحظى بالرضا الكامل من بعض مراكز القرار في الجزائر، خصوصًا في ظل ما يصفه مراقبون بـ”نمط متكرر” طال سفراء سابقين انتهت مهامهم بصيغ غير مألوفة.

وحظي الملف بتغطية إعلامية لافتة في بعض المنصات الفرنسية، التي ربطت بين خطوة موسي المفترضة والتدهور الملحوظ في العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال الأشهر الأخيرة. وتوقفت تقارير صحافية عند دلالات لجوء دبلوماسي بهذا الوزن إلى طلب حماية سياسية، إن صحت الرواية، معتبرة أن الأمر يحمل أبعاداً تتجاوز مجرد خلاف شخصي، ويعكس أزمة ثقة بين بعض ممثلي الدولة الجزائرية في الخارج ومؤسسات الحكم في الداخل. كما أعادت هذه التغطيات طرح إشكالية الحريات الفردية داخل المنظومة الرسمية الجزائرية، خاصة حين يتعلق الأمر بمسؤولين كانوا جزءاً من الصف الأول في تمثيل النظام.

ومع عدم صدور أي رد رسمي من السلطات الفرنسية فُتح الباب أمام التكهنات بشأن احتمال منح اللجوء لسفير جزائري سابق، وهي فرضية قد تُنذر بموجة جديدة من التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين. فالجزائر، التي عبّرت مرارًا عن رفضها أي “تدخل أجنبي” في شؤونها الداخلية، قد ترى في استقبال موسي إن صحّ الأمر خطوة استفزازية تمسّ بسيادتها، وتُفسره كاحتضان لرموز انشقاق داخل الدولة. وفي المقابل قد تعتبر باريس هذا التطور طبيعيًا في سياق التزاماتها بحقوق الإنسان، ودعم الأفراد الملاحقين سياسيًا، ما قد يزيد من حدة التباعد بين الجانبين، ويعيد العلاقة إلى مربع الشكوك والتوتر.

ويرى مهتمون بالشأن المغاربي أن قضية سعيد موسي، سواء تأكدت فرضية لجوئه السياسي أو بقيت مجرد شائعة إعلامية، تعكس هشاشة واضحة في بنية الجهاز الدبلوماسي الجزائري وعلاقته بالمركز؛ فالحدث لا يتعلق فقط بسفير تم استدعاؤه ولم يعد، بل يشير إلى مناخ أعمق من الارتباك يطبع أداء الدولة في الخارج، وسط تصدعات داخلية وانكماش الثقة بين السلك الدبلوماسي وبنية الحكم.

ويعتبر متابعون أن ما يزيد من حساسية الموضوع هو الصمت الإعلامي الرسمي، مقابل انفراد المنابر الدولية بتقديم روايات وتحليلات حول القضية، في حين تلتزم الصحافة المحلية الحذر أو التجاهل، خاصة عندما تمس الملفات المؤسسة العسكرية أو النواة الصلبة للسلطة. وفي ظل غياب رواية رسمية توضح الملابسات تبقى قضية موسي، في نظر هؤلاء، علامة فارقة على تحولات داخلية عميقة تعيشها الجزائر بصمت ثقيل.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *