تحرش واستغلال في قطاع “الكابلاج”.. شهادات صادمة عن قهر يومي وسط قصور الحماية

فجّرت إحدى العاملات في قطاع “الكابلاج” معطيات خطيرة تكشف عن معاناة المرأة العاملة في هذا المجال، من ضغوطات نفسية وتحرش جنسي ممنهج، في ظل غياب الرقابة واحترام الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
وفي تصريح خاص لجريدة “العمق”، قالت العاملة: “نعيش ظروفًا صعبة للغاية في ظل غياب تام لاحترام إنسانيتنا ومجهوداتنا. لك أن تتخيل أننا نشتغل لثماني ساعات متواصلة دون الحق في الجلوس، حتى بعد إتمام المهام الموكلة إلينا.”
وتضيف: “نُمنع من شرب الماء متى احتجنا لذلك، إذ لا يُسمح لنا بإدخال قنينات المياه لأسباب لا تزال مجهولة بالنسبة لي، رغم أنني أعمل في الشركة منذ قرابة عشر سنوات.”
وتابعت العاملة حديثها قائلة: “أحيانًا نُجبر على العمل يوم الأحد أيضًا، وفي كثير من الحالات نشتغل من 12 إلى 16 ساعة يوميًا، ما تسبب للعديد منّا في الإصابة بدوالي الساقين نتيجة الوقوف الطويل وظروف العمل القاسية. كل هذا المجهود البدني والضغط النفسي نتقاضى مقابله أجرًا زهيدًا لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور، في حين يتقاضى رؤساؤنا رواتب تصل إلى 14 ألف درهم، إضافة إلى تحفيزات إنتاجية لا تشملنا.”
التحرش: معاناة صامتة وغياب آليات الحماية
وأكدت المتحدثة أن المعاناة لا تتوقف عند حدود الاستغلال البدني، بل تمتد لتطال الجسد والكرامة. “عدد كبير منّا يتعرض لتحرشات متكررة، سواء بالغمز أو اللمز أو التعليقات غير اللائقة، مثل: (آش درنا دبا؟) أو (آش نو نتي؟ مغادي ديري والو؟)”
وأضافت: “هذه السلوكات سبّبت للعديد منّا حالات انهيار عصبي، واكتئاب حاد، وأمراض نفسية، بسبب بشاعة المعاملة من بعض المسؤولين فقط لأننا عبّرنا عن رفضنا لتلك التصرفات. وعندما نرفع شكاوى للإدارة، يطالبوننا بأدلة، وهي أدلة يصعب تقديمها لأن التحرش غالبًا ما يتم في أماكن مغلقة وبأساليب يصعب توثيقها أو إثباتها، حتى أمام الشهود.”
وقالت بأسى: “حتى لو كان هناك شاهد، فإن الخوف من فقدان مصدر الرزق أو ما نُسميه “طرف الخبز” يمنع الكثير من الشهادة.”
الفجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي
وفي تعليق قانوني حول هذه المعطيات، قال الدكتور حسن الرحيبة، أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن الواقع المهني داخل وحدات تصنيع “الكابلاج” يكشف عن فجوة واضحة بين النصوص القانونية الحامية، والممارسات الميدانية الفعلية.
وأوضح أن مدونة الشغل والقانون الجنائي المغربي يتضمنان نصوصًا صريحة تضمن كرامة العامل وتحميه من الاستغلال والتحرش الجنسي، حيث تم تحديد ساعات العمل الأسبوعية في القطاع الصناعي في 44 ساعة، مع التنصيص على فترات راحة يومية وأسبوعية، وسن آليات الحماية من الطرد التعسفي (المواد 35 إلى 41 من مدونة الشغل).
وأشار إلى أن واقع العمل داخل وحدات “الكابلاج” التي تعتمد على نظام la cadence (السرعة الإنتاجية) يبرز عدم تفعيل هذه الحقوق بالشكل الكافي، مضيفًا:
“القانون المغربي يمنع التمييز القائم على الجنس في التشغيل أو الأجر (المادة 9 من مدونة الشغل)، ويوفر حماية خاصة للمرأة أثناء الحمل والوضع (المواد 152 إلى 165)، كما يمنع تشغيل النساء ليلاً أو في أعمال ضارة، إلا بشروط مضبوطة (المواد 179 إلى 184).”
التحرش الجنسي مؤطر قانونيًا… ولكن
أما بخصوص التحرش الجنسي، فأكد الرحيبة أنه تم تجريمه من خلال القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، كما ينص الفصل 5031 من القانون الجنائي على تجريم كل من يتعمد مضايقة الغير في الفضاء المهني باستخدام أقوال أو أفعال ذات طبيعة جنسية.
كما تنص المادة 40 من مدونة الشغل على إلزام المشغل باتخاذ كافة التدابير لمنع التحرش الجنسي في أماكن العمل، ومواجهة مرتكبيه.
وختم الرحيبة بالقول إن كل هذه الضمانات القانونية تصطدم في الواقع بعوائق تطبيقية حقيقية، في ظل ضعف آليات التفتيش، وغياب ثقافة التبليغ، والخوف من الانتقام أو فقدان مصدر الرزق، ما يجعل المرأة العاملة في هذا القطاع في مواجهة مفتوحة مع التهميش والاستغلال.
المصدر: العمق المغربي