اخبار السودان

من السلطة إلى الدولة تحديات بناء السودان ما بعد الاستقلال بين الطموح والواقع.. التحديات السياسية أمام تطبيق ميثاق السودان التأسيسي (٩)

 

د. أحمد موسى قريعي

في ختام الحديث عن ميثاق السودان التأسيسي، طُرِحَ سؤالٌ حاسم: *هل يمكن لهذا الميثاق أن يكون نقطة البداية الحقيقية لبناء السودان الجديد؟ والسؤال الأهم: هل ستقف المصالح السياسية عائقًا أمام تطبيقه؟*

للإجابة، لا بد من النظر في التحديات السياسية المعقدة التي تقف في وجه أي مشروع تغييري في السودان، خاصة إذا كان بحجم “الميثاق التأسيسي”، الذي يسعى إلى إعادة تشكيل الدولة من جذورها.

 

1. *مقاومة الدولة العميقة: صراع البقاء*

الميثاق يدعو صراحةً إلى تفكيك الدولة العميقة، لكن هذا الهدف يصطدم بقوى مترابطة المصالح داخل:

الأجهزة الأمنية والعسكرية.

شبكات الفساد الإداري والمالي.

رجال الأعمال المتحالفين مع النظام السابق.

هذه القوى ترى في الميثاق تهديدًا مباشرًا لمصالحها، وستستخدم كل أدواتها لإفشاله: من نشر الفوضى الإعلامية إلى خلق اضطرابات ميدانية، مرورًا بزرع الانقسامات وسط التحالفات المدنية.

 

2. *الانقسام داخل القوى المدنية: من شتات الرؤى إلى تناقض الأجندات*

من أكبر تحديات تطبيق الميثاق غياب الوحدة السياسية داخل القوى التي يفترض بها أن تكون حاضنته. فحتى اليوم، لم تنجح هذه القوى في تجاوز:

الصراعات الأيديولوجية.

الخلافات حول مبدأ المشاركة في السلطة.

تنافس الزعامات والنزعات الشخصية.

وهذا يجعل الميثاق مهددًا من داخله، وليس فقط من خصومه التقليديين.

 

3. *غياب الإرادة الإقليمية والدولية الجادة: دعم لفظي دون التزامات*

رغم التصريحات الإيجابية من المجتمع الدولي، فإن الواقع يكشف أن معظم القوى الدولية:

تفضل “الاستقرار الظاهري” على “التحول الجذري”.

تتعامل مع السودان من منطلق المصالح لا المبادئ.

لا تمانع في بقاء توازن القوة القائم، ما دام لا يؤثر على حساباتها الإقليمية.

وبالتالي، فإن الاعتماد على دعم خارجي لتنفيذ ميثاق بحجم هذا المشروع قد يكون رهانًا خاسرًا.

 

4. *أزمة الثقة بين المواطن والنخب: من الإحباط إلى العزوف*

الميثاق قد يكون وثيقة عظيمة في محتواه، لكن ما لم يحظَ بثقة الشارع السوداني، فلن يكون له وزن حقيقي.

والمشكلة أن المواطن السوداني:

فقد الثقة في الطبقة السياسية بعد التجارب المتكررة.

لا يرى أثرًا واقعيًا للوثائق والشعارات.

يعيش أزمة معيشية تجعله أكثر تركيزًا على يومه من مستقبله.

استمرار الحرب هي المصيدة التي يقع فيها الميثاق مع الحرب تقل فرص نجاحه لا المواطن السوداني بدون سلام لا يلتفت إلى أي شيء مهما كانت أهميته

ولذلك فإن نجاح الميثاق يتطلب خطابًا سياسيًا مختلفًا، يضع الناس في قلب المعادلة، لا في هامشها.

 

*خاتمة: بين الفرصة والامتحان*

ميثاق السودان التأسيسي يقف اليوم في لحظة فارقة:
إما أن يكون فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة،
أو يتحول إلى وثيقة أخرى تنضم إلى أرشيف الفشل بسبب:

تغول المصالح.

تشرذم النخب.

غياب الإرادة والتنفيذ.

ويبقى السؤال: هل تستطيع قوى التغيير توحيد صفوفها وتقديم نموذج سياسي مختلف، أم أن السودان سيعود من جديد إلى دوامة التجريب والخذلان؟

(في المقال القادم، نناقش كيف يمكن تحويل ميثاق السودان التأسيسي إلى برنامج عملي للمرحلة الانتقالية، بخطوات واضحة وممكنة التنفيذ).

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *