«الدستورية» مُحصنةً «محكمة الوزراء»: جاءت تلبية للدستور

في جلستها المنعقدة اليوم، أصدرت المحكمة الدستورية قراراتها برفض عدد من الطعون المنظورة أمامها، منها الطعن المقدم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة، التي تعاقب الموظف العام إذا تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته، وكان ما ارتكبه من خطأ جسيم وترتب على الجريمة إضرار بأوضاع البلاد المالية أو التجارية أو الاقتصادية أو بأية مصلحة قومية لها.
وكان الطاعن يدفع بأن هذا النص قد خالف مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، إذ جاءت عباراته غير محددة وغير واضحة، يمكن تحميلها بأكثر من معنى، على نحو قد تتعدد معه تأويلاتها فيما يتعلق بمفهوم الخطأ الجسيم وحدوده والضرر الجسيم، مما يعد إخلالاً بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المادة 30 منه.
حماية الأموال العامة
وعن هذا الطعن قالت المحكمة الدستورية:
لقد سبق أن خلصت المحكمة في قرارها الصادر بغرفة المشورة بجلسة 2024/7/10 في الطعن المباشر رقم 5 لسنة 2024 المقام من الطاعن نفسه إلى أن عبارات الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون فيها قد جاءت «واضحة جلية بصورة لا التباس أو غموض فيها تنبئ بجلاء عن صور الخطأ المتطلب فيها والأضرار التي قد تلحق جهة العمل بسببه والعقوبة المقررة على هذه الأفعال، ولا يعيب النص أن يترك للقاضي تقدير مدى جسامة هذا الخطأ أو الأضرار المترتبة عليه على ضوء الوقائع المادية المثارة أمامه، فلا يكون النص بذلك قد خالف مواد الدستور سالفة البيان».
كما أكدت المحكمة في ذات القرار أن الطعن على الفقرة الأولى من المادة 20 من القانون لا يحقق مصلحة معتبرة للطاعن تجيز له إقامة طعنه عليها، إذ إن هذه المطاعن «إنما تتعلق بالعقوبة المقضي بها وسلطة القاضي في تقرير الامتناع عن النطق بالعقاب، وقد ثبت أنه قد حسم أمر الاتهام المنسوب للطاعن بتسببه بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعمل لديها، وقضي بإدانته بحكم بات يمتنع مراجعته أو التعقيب عليه ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية ذلك النص على فرض صحة المطاعن الموجهة إليه في خصوص منع القاضي من استعمال سلطته التقديرية بتقرير الامتناع عن النطق بالعقاب لن يرتب أثراً على الحكم الصادر بإدانته مادام لا يمتد إلى إزالة نص التجريم في ذاته، فلا يترتب عليه إعادة محاكمته عن ذات الفعل مرة أخرى، إذ يظل مسؤولاً عن الخطأ المرتكب وعن تعويض الأضرار التي لحقت بجهة عمله بسببه، وبالتالي لا تتوفر له مصلحة شخصية مباشرة في الطعن»، وإذ أعاد الطاعن في الطعن الماثل توجيه ذات المطاعن إلى نص المادتين سالفتي البيان، فإنه يكون قد تخلف مناط قبول طعنه، ولا يجديه بعد ذلك إضافة الطعن على المادة 21 مكرراً من القانون، والتي نصت على عدم انقضاء الدعوى الجزائية عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمضي المدة.
وتابعت: إذ لا يتصور أن ينظر إلى تقادم الدعوى الجزائية بعد صدور حكم بات فيها بإدانته وتنفيذ ذلك الحكم، فضلاً عن أن هذا التقادم لا علاقة له بدعوى التعويض التي أقامتها جهة عمله لمطالبته بالتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها، والتي ترتكن فيها إلى أحكام المسؤولية التقصيرية، فلا تتوافر له مصلحة شخصية مباشرة في الطعن على هذه المادة أيضاً، كما لا يغير من ذلك القول بأنه لا يزال يعاني الآثار المعنوية والأدبية للحكم الصادر بإدانته، إذ إن المصلحة المعتبرة قانوناً لا يتصور فيها أن تكون محض مصلحة نظرية غايتها إبطال النصوص المطعون فيها إبطالاً مجرداً، بل يجب أن تعود على الطاعن فائدة مباشرة من طلب إبطالها، الأمر الذي يغدو حرياً التقرير بعدم قبول الطعن مع مصادرة الكفالة، لذلك قررت المحكمة في غرفة المشورة عدم قبول الطعن، ومصادرة الكفالة.
حماية المستهلك
كما رفضت المحكمة الطعن المقدم من إحدى الشركات بعدم دستورية قرار وزير التجارة والصناعة رقم 227 لسنة 2024 بشأن تعديل القرار رقم 27 لسنة 2015 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 39 لسنة 2014 بشأن حماية المستهلك، وذلك فيما تضمنه من إضافة المادة 40 مكرراً إلى اللائحة والتي أجازت لوكيل وزارة التجارة والصناعة إصدار قرار بمنح تراخيص حصرية وشاملة للشركات أو المؤسسات المعتمدة من الجهات الرسمية المختصة، لتولي تنظيم المناسبات والاحتفالات الوطنية الكبرى.
وهنا رأت المحكمة الدستورية أن القول بمخالفة القرار المطعون فيه للقانون الذي صدر تنفيذاً له، فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محل الرقابة القضائية التي تباشرها بشأن مدى دستورية اللوائح، مناطها هو قيام التعارض بين نص فيها ونص في الدستور، فإذا أصاب القرار المطعون فيه عوار مخالفة القانون، فإن هذا العيب عندئذ يعتبر متعلقاً بمشروعيته كافياً وحده لطلب إلغائه أمام الدائرة الإدارية، التي أصبحت هي وحدها دون غيرها المختصة بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقوانين.
محاكمة الوزراء
وكان لافتاً رفض المحكمة الدستورية الطعن الذي قدمه أحد المواطنين بعدم دستورية المادة 3 من القانون رقم 88 لسنة 1995 بشأن محاكمة الوزراء، فيما تضمنته من تشكيل لجنة تحقيق من 3 من المستشارين الكويتيين بمحكمة الاستئناف، تختص بفحص البلاغات المقدمة، وتكون لها كل الاختصاصات المقررة قانوناً لسلطات التحقيق، والتي رأى الطاعن أنها تخالف المادة 167 من الدستور، التي جعلت النيابة العامة هي التي تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، ولم تستثن من ذلك سوى ما أجازته من تولي جهات الأمن الدعوى العمومية في الجنح وفقاً للأوضاع التي يبينها القانون، وقد توافرت للطاعن مصلحة شخصية مباشرة للتقدم بطعنه الماثل، إذ صدر بتاريخ 2024/8/5 قرار من اللجنة المشار إليها بالتحفظ على جميع أمواله النقدية والمنقولة والعقارات، ومنعه من التصرف فيها، بمناسبة التحقيق في القضية رقم 2 لسنة 2024 حصر تحقيق وزراء، على الرغم من عدم التحقيق معه أو توجيه أي اتهام له فيها، وهو ما حدا به إلى التقدم بطعنه الماثل.
الموظفون المتسببون في الإضرار بالمال العام مسؤولون عن تعويض الأضرار حتى وإن تم الامتناع عن النطق بعقابهم
وأضاف الطاعن في دعواه: كان من المقرر طبقاً للمادة (الرابعة مكرراً) المضافة بموجب القانون رقم 109 لسنة 2014 إلى قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 أن المشرع وإن أجاز لكل شخص طبيعي أو اعتباري أن يرفع طعناً بطريق الادعاء المباشر أمام هذه المحكمة في أي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة، متطلباً المشرع بصريح نص هذه المادة أن تتوفر الجدية في الطعن كشرط لا غنى عنه لقبوله، ولهذه المحكمة أن تتحرى هذا الأمر، فإن رأت أن الطعن غير جدي قررت في غرفة المشورة عدم قبوله.
المادة 132
وعقبت المحكمة الدستورية على طعنه بقولها، متى كان ما تقدم، وكانت المادة 132 من الدستور قد عهدت إلى المشرع إصدار قانون خاص يحدد الجرائم التي تقع من الوزراء في تأدية أعمال وظائفهم، ويبين إجراءات اتهامهم ومحاكمتهم والجهة المختصة بهذه المحاكمة، وتلبية لهذا التوجيه الدستوري أصدر المشرع القانون رقم 88 لسنة 1995 بشأن محاكمة الوزراء، والذي حدد الجهة التي تختص بمحاكمة الوزراء، وهي محكمة خاصة تشكل من خمسة من المستشارين الكويتيين بمحكمة الاستئناف، ونظراً لخصوصية الجرائم التي تختص بها تلك المحكمة وأهميتها، ارتأى المشرع بموجب نص المادة 3 من القانون السالف البيان والمطعون فيه أن تتولى أعمال الاستدلال والتحقيق في تلك القضايا لجنة تحقيق خاصة تشكل من 3 من المستشارين الكويتيين بمحكمة الاستئناف التزاماً بما ورد بالمادة 132 من الدستور سالفة البيان، والتي فوضت المشرع في تحديد إجراءات الاتهام في تلك الجرائم، فأسند إلى هذه اللجنة مهمة فحص البلاغات المقدمة في هذا الشأن واتخاذ أي إجراء يقتضيه هذا الفحص، وتكون لها كل الاختصاصات المقررة قانوناً لسلطات التحقيق.
وأضافت: «ولم يغفل القانون دور النيابة العامة في الدعوى العمومية، فأوجب حضور أحد أعضاء النيابة ممن لا تقل درجته عن رئيس نيابة جلسات التحقيق وإبداء ما يراه من طلبات، كما نص على أن النيابة العامة هي التي تباشر مهمة الادعاء أمام المحكمة، فإن الادعاء بعدم دستورية النص المطعون فيه لمخالفته المادة 167 من الدستور يكون على غير أساس، الأمر الذي لا تتوافر معه الجدية في الطعن الماثل، ومن ثم يكون حرياً التقرير بعدم قبوله مع مصادرة الكفالة، لذلك قررت المحكمة في غرفة المشورة عدم قبول الطعن، ومصادرة الكفالة».
ضريبة الدخل تشمل مصروفات مقاولي الباطن
رفضت المحكمة الدستورية الطعن المقدم من إحدى الشركات بعدم دستورية البند (أولاً/ ب) من القاعدة التنفيذية رقم 28 من القواعد والتعليمات التنفيذية لمرسوم ضريبة الدخل الكويتية رقم 3 لسنة 1955، والمعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2008، الصادرة بالقرار الإداري للوكيل المساعد للشؤون المالية والضريبية رقم 875 لسنة 2013، فيما تضمنته من اشتراط عدم زيادة تكاليف ومصروفات أعمال مقاولي الباطن عن إيرادات هذه الأعمال حتى يتم خصمها من الدخل الضريبي. ورأى الطاعن أن ذلك يخالف المادة 3 من مرسوم ضريبة الدخل، التي أوجبت خصم جميع المصروفات والتكاليف التي أنفقت لتحقيق الدخل الخاضع للضريبة، والمادة 3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2008، التي حددت ما يشترط في المصروفات والتكاليف المسموح بها التي يتم خصمها من الدخل الخاضع للضريبة.
وأكدت «الدستورية» أن أسباب الطعن جاءت منصرفة أساساً إلى مخالفة النص المطعون فيه من القواعد والتعليمات التنفيذية لمرسوم ضريبة الدخل الكويتية، للقانون الذي صدر تنفيذاً له، لعدم تضمن القانون الشرط الذي أورده لخصم المصروفات والتكاليف المتعلقة بأعمال مقاولي الباطن من الدخل الخاضع للضريبة.
وبينت «الدستورية» أن النص المشار إليه لم يتضمن إنشاء ضريبة جديدة أو تعديلها، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محل الرقابة القضائية التي تباشرها بشأن مدى دستورية اللوائح، مناطها هو قيام التعارض بين نص فيها ونص في الدستور، فإذا أصاب القرار المطعون فيه عوار مخالفة القانون، فإن هذا العيب عندئذ يعتبر متعلقاً بمشروعيته، كافياً وحده لطلب إلغائه أمام الدائرة الإدارية، التي أصبحت هي وحدها دون غيرها المختصة بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقوانين.
وتابعت: ومن ثم يخرج النص المطعون فيه عن نطاق الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية، ويكون حرياً التقرير بعدم قبول الطعن مع مصادرة الكفالة، لذلك قررت المحكمة في غرفة المشورة عدم قبول الطعن، ومصادرة الكفالة.
المصدر: جريدة الجريدة