اخبار السودان

ست سنوات من عذابات الروح والجسد السودانية , اخبار السودان

 

لا أحد مهما بلغت حساسيته الإنسانية يشعر بحقيقة ما يعانيه المصاب , إذ هذا يدخل في صميم تركيب الإنسان ، لهذا ليس هناك من هو أصدق في محاولة التعبير عن الوجع ممن يتوجّع فعليا ، الجمرة بتحرق الواطيها ؛ مقولة حصيفة وحكيمة تلخّص واقع الحال .

تقرير : خالد فضل

هذه الكتابة لن تنوب عن أصحابها بقدر ما تتدخل فقط لزوم القالب الصحفي ، إنّها على ألسنتهم، تعرض بعض ما يواجهون وهم في الهند حيث بعث بهم لتلقي العلاج ، فإلى ما قالوه :
بلال عمر عبدالرحمن مرجان :
يبلغ من العمر 32سنة ، أصيب في يوم 27رمضان2019م في ساحات الإعتصام أمام بوابات القيادة العامة ثلاث طلقات ، وإصابة رابعة في الوجه نتيجة سقوطه على الأرض . أجريت له ثلاث عمليات حتى الآن فيما لم تجر العملية الرابعة . ترافقه والدته , لكنه يشكو من وضع صحي سيئ للغاية ،إذ ما تزال إحدى الطلقات تسكن جسده .

اللجنة الفنية وخطأ التقدير :

يقول بلال إنّ قرار إرسالهم للهند تمّ من جانب اللجنة الفنية التي شكّلتها السلطة المدنية الإنتقالية برئاسة د. عبدالله حمدوك، وبتمويل حكومي، لكن اللجنة لم تباشر عملها بوساطة السفارة السودانية إنما عن طريق شخص (منسق) لجأت لإبرام إتفاقات مباشرة مع المستشفيات عن طريق مكاتب تجارية تمارس مهام الوساطة في العلاج .ويمضي للتوضيح بأنّهم حينما يلجأون إلى السفارة يتم إخبارهم بأنّ السفارة ليس لديها أي دور سوى دور (الخزينة) فقط لأن كل المهام موكلة للجنة الفنية والمنسق . يواصل بلال أنّه ما يزال يعاني من آلام حادة،  ومؤخرا ظهر له ورم يحتاج إلى تدخل عاجل بيد أنّه لا يملك قيمة شراء مسكنات الألم التي يستخدمها باستمرار . يوضح أنّه ومنذ تسعة اشهر لا توجد أي جهة تنفق عليهم .

محمد يونس آدم _27سنة :

أصبت بطلق ناري في إبط اليد اليسرى ،  بتاريخ 17يناير 2022م في موقف شروني جوار معمل ستاك وسط الخرطوم . اشتملت خطة علاجه على مرحلتين الأولى نقل للأعصاب،  والثانية عملية نقل للعضلات الضامرة، كما تمت عملية توصيل الاعصاب الرئيسية الثلاثة في 28فبرائر 2023م .

عهد السماني _27سنة :

أصيب يوم 27رمضان 2019م ، قبل يومين من مجزرة فض الإعتصام في تقاطع شارع النيل مع شارع المحكمة الدستورية في الخرطوم . كانت إصابته برايش ذخيرة مدافع دوشكا، مما أدى لقطع جزئي في الأعصاب في منطقة منتصف الظهر مما يسبب له آلاما مبرحة من منتصف الظهر إلى أصابع القدمين مصحوبا بكهرباء في كلتا القدمين أحيانا، كما أدى الطلق الناري إلى حرق المستقبلات العصبية للأعصاب التي لم تقطع وإزاحة ثلاث فقرات قطنية من مواضعها . يعاني من شلل نصفي وآلام مستمرة في العصب لا يخف إلا باستخدام مسكنات كيميائية عالية الجرعة . العلاج متوقف منذ يونيو2023م .

محمد خالد آدم _

طلق ناري أدي لتهتك عظمة الفخذ الأيسر ، كان ذلك بتاريخ 12نوفمبر 2021م بشارع الأربعين في أم درمان . مطلوب الآن إجراء التقييم النهائي لحالته، وعملية لإستخراج جهاز طبي من داخل الرجل المصابة .

محمد غاندي حسن _25 سنة :

إصابة في العين اليمنى إثر انفجار عبوة غاز مسيل للدموع فيها مما خلّف رصاص سكسك ، بتاريخ 25أكتوبر2021م في شارع الأربعين بمدينة أم درمان . . تم استخراج الرصاص قبل إندلاع الحرب، وبالنتيجة فقدان النظر في العين .
تتعدد الإصابات والمأساة واحدة :
أجمع خمسة المصابين على هموم مشتركة، تظلل يومهم بالمعاناة، وتبيت تسهدهم الليالي الطوال، تشرق تكللهم مع بزوغ كل شمس يوم جديد، فشهر طويل وأعوام كبيسة . يقول بلال ،  كنت أخرج للمواكب بمفردي ،أحلم بوطن جديد وشعب سعيد .. اليوم ترافقني أمي في ديار غريبة بعيدة قاسية ، نعاني الإهمال التام والتجاهل القاتل، توقف العلاج منذ تسعة اشهر على الأقل بعد أنْ ساءت الأوضاع بإندلاع الحرب في أبريل 2023م . لم أعد أتحمل عذابات والدتي ، جاءت ترافقني في رحلة الإستشفاء ولم يخطر ببالنا أنْ تتحول إلى كابوس، نقضي أياما في الحدائق العامة إذ تنتهي فترة إيجار السكن ولا معين سوى بعض مساعدات متقطعة من سودانيين خيرين، ومعالجات ظرفية من السفارة لا تدوم دوام الآلام . عنّان شقيق ومرافق المصاب عهد، يضيف، لقد استنفدنا كل الموارد المتاحة لأهلنا،قطعنا من جلودهم حتى لم يبق فيها مزعة نسلبها ، لم يبخلوا علينا فوق طاقاتهم . وما تزال رحلة البحث عن العلاج مستمرة .

احتياجات عاجلة ومناشدات إنسانية :

يحتاج المصابون إلى مواصلة العلاج الذي انقطع . إكمال بقية العمليات لبعضهم، توفير ظروف معيشة ملائمة لهم ولأفراد أسرهم المرافقين، مثل السكن ، الترحيل ، الإعاشة ، الطوارئ . وهم يتطلعون إلى قلوب رحيمة وأياد حانية تأخذ حالتهم بعين الإنسانية، ليواصلوا مشوار العلاج في بلدان تقدّر قيمة الإنسان . يتوجهون بالنداء إلى المنظمات الإنسانية عبر العالم . مطلبهم بسيط .. لم ينقطع منهم الرجاء في سماع صوتهم بعد أنْ صمّ أذنيه عن سماع أنّاتهم من أوكل إليه أمرهم في تلك اللجنة الحكومية، انقطع التواصل لشهور، وهم يواجهون ظروف المرض وسوء الحال، والإهمال ، بل إنتهاء أمد إقامتهم في بلد لا توجد فيه فرص للعمل ويمنع من يحاول أو يقدر منهم بموجب القانون . مع ذلك لم ينسوا رفاق لهم ،قضوا نحبهم اثناء هذه الحرب اللعينة داخل السودان، يقول بلال : رغم محنتنا  نشعر بالاسى لحال رفاق قضوا بالإهمال وانقطاع العلاج والتواصل منهم اثنان في النيل الأبيض وثالث في أم درمان مات بسبب الجوع .
تلك شذرات من قصة تثقل القلب حقا،  شباب في مقتبل العمر، توقهم لحياة أفضل لهم ولشعبهم و وطنهم كلّفهم بقية العمر .. ما يزالون يمتلكون قلوبا تنبض بحب الحياة  وأفئدة تهفو ليوم باكر النضير .. من جب المعاناة يشرئبون لغد أفضل .. فهل من مغيث .

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *