اخبار السودان

أنماط طرائق التفكير السوداني (٢٣)

عوض الكريم فضل المولى

وحسن عبد الرضي

 

السلام بين آمال الشعب وغضب دعاة الحرب

 

في ظل الحرب التي تعصف بالسودان منذ أبريل ٢٠٢٣م، والتي خلّفت دمارًا واسعًا في البنية التحتية، وتفكك اللحمة الأسرية، وضعف الوحدة المجتمعية، وظهور النزاعات العنصرية، ونزوح الملايين من المواطنين، وإفقارهم وتجويعهم، وانتشار الأمراض، وعجز أصحاب الأمراض المزمنة عن مواصلة العلاج، وتدمير المشافي، والعجز الدوائي، وتدهور الرعاية الصحية الأولية، خاصةً لصحة الأطفال، والأمهات المرضعات، والحوامل تزايدت الأصوات المطالِبة بوقف القتال والدخول في مفاوضات جادة تفضي إلى سلام شامل ومستدام، والحفاظ على ما تبقى من الوطن: بنيته، وشعبه، وقيمه، وأخلاقه التي شهدت بها الأمم، بل كانت صفة تلازم الإنسان السوداني أينما حلّ.

 

هذه الدعوات، التي عبّرت عنها قوى مدنية، وشخصيات وطنية، ومنظمات دولية، قابلها رفض وغضب واضح من أطراف تصرّ على الحسم العسكري الذي طال أمده. حسم، جاز لنا أن نقول إنه عجز عن تحقيقه دعاة الحرب في أيامها الأولى، وهم الآن يطرقون الأبواب المحلية بالاستنفار، والجبايات، والبحث عن داعم خارجي، ولو على حساب علاقات الدولة الخارجية، في غياب مصالح الأمة السودانية؛ مما يعكس عمق الأزمة وتعقيدها في المشهد السوداني.

 

الشعب السوداني، الذي اكتوى بنار الحرب، وشهد انهيار مؤسسات الدولة، وانهياره في جسده ونفسياته ومدخراته ومنازله ومعنوياته، بل وأحلامه وتطلعاته المستقبلية، لم يتوقف عن المطالبة بوقف القتال والجلوس إلى طاولة التفاوض. وفي هذا، برزت مبادرات مدنية وبيانات من القوى السياسية غير المنخرطة في الحرب، تطالب بتغليب منطق العقل وتجنيب البلاد المزيد من الدمار. كما دعمت بعض الدول الإقليمية والمجتمع الدولي هذه المساعي، إلا أن تأثيرها على الأرض ظل محدودًا أحيانًا، ومرفوضًا أحيانًا أخرى، ومستهزَأً به، وموصومًا بما لا يُحمد.

 

في المقابل، قابلت أطراف الصراع وخاصة بعض القيادات العسكرية ومناصريها دعوات السلام بتوجس شديد، بل واعتبرتها خيانة أو دعمًا غير مباشر للعدو. اتُّهِمَ الداعون للسلام بأنهم “يتآمرون على الوطن”، أو أنهم “عملاء لأجندات خارجية”، في محاولة لتشويه خطاب السلام ومعارضة الحرب، وتحويله إلى مادة للمزايدات الوطنية والتكسب السياسي، والتأثير على البسطاء من أبناء وطني الطيبين. هذا الخطاب العدائي عزّز مناخ التخوين، وأضعف فرص الحوار، وأدى إلى تشرذم أبناء الوطن الواحد، وانعدام الثقة بينهم.

 

الحرب الدائرة، والتي وضعت الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، أثّرت أيضًا على تماسك المؤسسة العسكرية. ظهرت تحديات كبيرة تتعلق بالإمداد، والاستنزاف، والانقسامات السياسية المحيطة بالجيش، الأمر الذي يهدد بتآكل بنيته إذا طال أمد الحرب. ومع غياب رؤية موحدة للحل داخل المؤسسة العسكرية، بات الحفاظ على تماسكها تحديًا استراتيجيًا في ظل استمرار الصراع.

 

إن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والمعاناة، ولن يكون هناك منتصر حقيقي في نزاع يدفع ثمنه المواطن السوداني أولًا. إن تجاوز هذه المرحلة الحرجة يتطلب إرادة سياسية شجاعة، وتغليب لغة التفاوض، وإعمال الفكر، وتغيير طرائق التفكير، على منطق القوة. السلام هو الله في صفاته وإرادته، وهو حوجة البشرية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليس كما يظن دعاة الحرب أنه ضعف، بل هو المسار الوحيد الذي يضمن وحدة السودان، وكرامة مواطنيه، ومستقبل أجياله. لم تكن الحرب كرامته، بل الكرامة في السلام.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *