من السلطة إلى الدولة تحديات بناء السودان ما بعد الاستقلال ميثاق السودان التأسيسي.. هل هو بداية الحل؟ (٨)

د. أحمد موسى قريعي
في ظل حرب 15 أبريل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها السودان، يبرز ميثاق السودان التأسيسي كمحاولةٍ لصياغة رؤيةٍ جديدةٍ للخروج من الحلقة المفرغة للصراعات. لكنه يواجه تحدياتٍ كبيرةً، فهل يستطيع أن يكون بدايةً حقيقيةً لحل الأزمة، أم أنه سيلقى مصير المبادرات السابقة؟
1. *ما هو ميثاق السودان التأسيسي؟*
ميثاق السودان التأسيسي الذي تم توقيعه مؤخرا في العاصمة الكينية نيروبي هو مشروعٌ سياسيٌّ يهدف إلى إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والدولة والمجتمع، من خلال وضع أسسٍ جديدةٍ لإدارة البلاد. وهو يقوم على مبادئ أساسية، أهمها:
1. بناء دولةٍ عادلةٍ تقوم على المواطنة والحقوق المتساوية، بدلًا من سيطرة النخب أو المحاصصة السياسية.
2. تحقيق مصالحةٍ وطنيةٍ شاملةٍ، تضمن تجاوز الماضي دون إقصاءٍ أو انتقامٍ.
3. تفكيك الدولة العميقة، التي تُعتبر العائق الرئيسي أمام الانتقال الديمقراطي.
4. إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، بحيث تصبح قوميةً لا حزبيةً أو طائفيةً.
5. إعادة هيكلة الاقتصاد، بحيث يكون أكثر توازنًا وعدالةً في توزيع الموارد.
2. *إعادة هيكلة الدولة كيف يمكن تحقيق العدالة؟*
*المشكلة:*
منذ الاستقلال، اعتمدت الدولة السودانية على نهجٍ مركزيٍّ غير عادلٍ، مما أدى إلى تهميش الأقاليم واشتعال الصراعات.
لم تعبر الحكومات المتعاقبة عن جميع السودانيين، بل انحازت إلى فئاتٍ بعينها.
*الحل وفقًا للميثاق:*
توزيع السلطات بين المركز والأقاليم، بحيث تمتلك الولايات سلطاتٍ حقيقيةً في إدارة شؤونها.
تمثيل جميع المكونات السودانية في مؤسسات الدولة، دون إقصاءٍ أو احتكارٍ.
إقرار دستورٍ دائمٍ يعكس التعددية السودانية، ويمنع أي شكلٍ من أشكال التمييز.
*التحدي:*
*هل ستقبل القوى التقليدية بالتخلي عن امتيازاتها؟*
3 *. المصالحة الوطنية هل يمكن تجاوز الماضي دون انتقام؟*
*المشكلة:*
ظل السودان عالقًا في دوامة الحروب والانقسامات السياسية، مما جعل المصالحة الوطنية أمرًا ضروريًا لأي استقرارٍ مستقبلي.
أغلب محاولات المصالحة في السابق كانت شكليةً، ولم تعالج الجذور الحقيقية للأزمات.
*الحل وفقًا للميثاق:*
إنشاء آلياتٍ للعدالة الانتقالية، تُحاسب من ارتكبوا الجرائم دون أن تتحول إلى تصفية حساباتٍ سياسيةٍ.
تعويض المتضررين وجبر الضرر، لضمان عدم تكرار المظالم.
إعادة دمج الجماعات المسلحة في المجتمع، سواءً عبر تسريحها أو دمجها في القوات النظامية وفقًا لمعايير وطنية.
*التحدي:*
*هل يمكن تحقيق عدالةٍ انتقاليةٍ حقيقيةٍ في ظل استمرار النزاعات؟*
4. *تفكيك الدولة العميقة هل هو ممكن؟*
*المشكلة:*
السودان ليس مجرد دولةٍ محكومةٍ من قبل حكومةٍ رسمية، بل هناك شبكةٌ من المصالح والنفوذ، تشمل:
الأجهزة الأمنية والعسكرية.
المصالح الاقتصادية المرتبطة بالنظام السابق.
شبكات الفساد التي تستفيد من استمرار الفوضى.
*الحل وفقًا للميثاق:*
إصلاح الأجهزة الأمنية بحيث تخضع للرقابة المدنية.
مكافحة الفساد وإعادة هيكلة الاقتصاد، لضمان عدم تحكم قلةٍ في الموارد الوطنية.
تحقيق الشفافية والمساءلة في إدارة الدولة.
*التحدي:*
*هل تستطيع أي حكومةٍ مدنيةٍ تفكيك هذه الشبكة دون أن تواجه مقاومةً عنيفةً؟*
5. *هل يملك الميثاق فرصةً للنجاح؟*
*عوامل تدعم نجاح الميثاق:*
1. رغبة الشارع السوداني في تغييرٍ جذريٍّ، بعيدًا عن الحلول المؤقتة.
2. إجماع القوى الوطنية على ضرورة وضع أسسٍ جديدةٍ للحكم.
3. الضغط الدولي والإقليمي لإيجاد حلولٍ مستدامةٍ للأزمة السودانية.
*عوامل تهدد نجاحه:*
1. رفض القوى التقليدية التي تستفيد من الوضع الحالي.
2. استمرار النزاعات المسلحة وانعدام الاستقرار السياسي.
3. غياب آلياتٍ واضحةٍ لتنفيذ الميثاق على أرض الواقع.
*خاتمة: هل هو بداية الحل؟*
ميثاق السودان التأسيسي يمثل محاولةً جادةً لوضع السودان على طريق بناء الدولة الحديثة، لكنه يواجه تحدياتٍ ضخمةً.
إذا نجح في كسب دعم جميع المكونات السودانية، فقد يكون نقطة التحول نحو الاستقرار.
إذا فشل في مواجهة الدولة العميقة والانقسامات السياسية، فقد يلقى مصير المبادرات السابقة.
هل يمكن لهذا الميثاق أن يكون نقطة البداية الحقيقية لبناء السودان الجديد؟ أم أن المصالح السياسية ستقف حائلًا أمام تطبيقه؟ هذا ما سنناقشه في المقال القادم.
المصدر: صحيفة الراكوبة