الغارديان: القصة الحقيقية وراء صورة سوار عاشور الهزيلة التي صدمت العالم

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا أعدته ملك الطنطش وجوليان بورغر أشارا فيه إلى الصورة التي صدمت العالم من غزة، وقدّما صورة مقرّبة عن سوار عاشور، التي وُلدت في الحرب ولم تعرف شيئًا غيرها، وهي الآن في خطر شديد، وتواجه الموت، دون أن تعرف لحظة سلام أو رضا. وتُقدَّم صورة البنت الهزيلة، التي تبلغ من العمر 6 أشهر، رمزًا للتجويع المدروس لغزة.
عندما نُشرت صورتها، هذا الأسبوع، على موقع “بي بي سي”، أثارت صدمة واسعة. وُلدت سوار في 20 تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، وكان وزنها عند الولادة 2.5 كيلوغرام فقط. وعانت سوار، منذ الولادة، من مشاكل في المريء، حيث كان من الصعب عليها الرضاعة من ثدي أمها، ما اضطرها للاعتماد على حليب الرضاعة الصناعي، الذي لم يكن متوفرًا بشكل كبير في القطاع المحاصر.
وقد دُمّر بيت والديها في النصيرات قرب الساحل، في بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وعاشت عائلتها في خيمة لفترة، حيث كان من الصعب الحصول على الطعام والماء، إلى جانب تعرّض مخيم النازحين للقصف المستمر.
وحاولت العائلة العودة إلى النصيرات والبقاء في بيت جدي سوار، لكنه قُصف أيضًا. ولم يتبقّ من البيت سوى غرفة واحدة عاش فيها 11 شخصًا، وهناك وُلدت سوار.
تقول نجوى عرم (23 عامًا)، والدة سوار: “كنت متعبة طوال الوقت، ولم يكن هناك خصوصية، ولم أستطع الحصول على راحة”. وتضيف:
“لم يكن هناك طعام أو مغذيات مناسبة، وعندما أنجبتها لم تكن مثل بقية المواليد”، و”عندما وُلدت كانت جميلة رغم ضعفها الواضح على ملامحها، لكنها الآن نحيفة بطريقة غير طبيعية، ومن المفترض أن يزن الأطفال في عمرها 6 كيلوغرامات، وليس كيلوين فقط”.
واكتشفت نجوى، في الشهر الماضي، أنها حامل بطفلها الثاني، وتعيش في رعب خسارة سوار قبل ولادة شقيقها أو شقيقتها.
وانتقلت إلى خان يونس مع والدتها، حيث قضت الأشهر السابقة مع ابنتها النحيلة، بينما بقي زوجها الكفيف، صالح، في النصيرات.
وقد أجبر القصف المستمر العائلة على الانتقال عدة مرات، مثل بقية العائلات في غزة، وتفرّقت في كل مكان.
وتقول نجوى إن زوجها الكفيف كان يلعب مع سوار طوال الوقت: “زارنا في المستشفى مرة لأنه لا يستطيع التحرك بدون مرافق، وهو خائف عليها أكثر مني، فهو ملتصق بها بشكل عميق”.
ونظرًا لعدم وجود مصدر رزق، فإن العائلة تعتمد على المساعدات للطعام والدعم الإنساني الآخر. وحتى هذا غير متوفر بشكل دائم، بسبب الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على القطاع.
وقال فيليب لازاريني، مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، هذا الأسبوع: “المجاعة في غزة التي تسبب بها البشر وذات الدوافع السياسية هي تعبير عن القسوة المطلقة.”
ولم يبقَ لدى نجوى ووالدتها سوى كيس طحين وبعض علب الطعام: “عندما تنتهي لن يكون بإمكاننا شراء أي شيء بسبب غلاء الأسعار، وحتى حليب الأطفال الخاص الذي تحتاجه سوار”.
وتضيف: “أعاني من فقر التغذية، لكنني أحاول إرضاعها، لكنها ترفض وتظل تبكي وترفضني بالكامل. ولهذا السبب أعتمد على حليب الأطفال، وعندما كنت أرضعها، كانت علبة الحليب تكفي لشهر، لكنها تنتهي الآن في أسبوع”.
وقضت نجوى وابنتها عدة أشهر في مستشفى دير البلح، حيث توفّر فيه حليب الأطفال، ما ساعد على زيادة وزن سوار إلى 4 كيلوغرامات.
“لاحظت أن سوار بدأت تبتسم وتلعب، وهو ما أفرحني ومنحني الأمل بتحسّن صحتها”.
لكن لحظة الأمل الهشة تداعت عندما خرجتا من المستشفى، وبدأت سوار تخسر وزنها مرة أخرى. وتم تحويلها إلى مستشفى ناصر في خان يونس، حيث لا تزال الأم مع ابنتها.
وتقول نجوى: “يعمل الأطباء كل ما بوسعهم للعناية بها، لكنها لا تستطيع تناول الحليب الذي يعدّونه لها. وضع المستشفى سيئ، وهناك ستة مرضى في كل غرفة. وفي كل مكان تنظر إليه، هناك معاناة، وهناك طفل في وضع أسوأ من سوار”.
وقالت إن رؤية ابنتها على هذا الوضع يحرمها من النوم، وهي قلقة، وتفكّر كثيرًا، وخائفة من خسارتها: “ألا يستطيع العالم فتح المعابر ويسمح بمرور الحليب والطعام والدواء؟ كل ما أريده هو أن تعيش ابنتي سوار مثل بقية أطفال العالم”.
ويقول الدكتور أحمد الفرا، مسؤول قسم الولادة والأطفال في مجمع ناصر الطبي، إن هناك حالات سوء تغذية تتراوح بين 5 إلى 10 حالات تُسجل يوميًا.
وأضاف: “نلاحظ حالات سوء تغذية تظهر على الأطفال وبطريقة مخيفة”، و”ليس لدينا ما نقدمه لهم. هم بحاجة إلى بروتين، ولا يوجد شيء. نحاول تقديم ما لدينا من حليب قليل، وربما حليب مجفف، ولكن ليس أكثر”.
“وفوق كل هذا، هناك ازدحام كبير في المستشفى، ما يزيد من حالات العدوى بين الأطفال”.
ولا يوجد وقود إلا ما يكفي لتشغيل المولدات لمدة 48 ساعة، وقد أُغلقت الكهرباء في القسم الإداري من أجل إطالة أمد التيار الكهربائي، لكن من المتوقع انقطاعه قريبًا عن العنابر المزدحمة بالمرضى.
وقال الفرا: “نحن عاجزون أمام الاحتياجات، ولا نستطيع تقديم المغذيات أو الدواء أو الفيتامينات المناسبة لهذه الظروف”. وأضاف: “درست فقر التغذية في كلية الطب، وكنت أعتقد أن الدراسة ستظل نظرية، ولن نراها في الحياة الحقيقية. لكن الكتب الطبية عادت للحياة أمام أعيننا في غزة”. “أدعو العالم للنظر إلينا كبشر، فنحن مخلوقات مثل البقية”.