اخبار السودان

من هم اللصوص الكبار؟

د. محمد عطا مدنى

 

بالإشارة إلى مقال الأخ الكريم الأستاذ على أحمد بعنوان: (من الذى سرق منازل المواطنين؟)، وبالإشارة أيضا إلى مقالى بالراكوبة الغراء بعنوان: (لماذا اختلفت حربنا عن حروب المنطقة التى نعيش فيها؟) وذكرت فى مقالى أننى عشت حربين ضروسين، حرب النكسة فى مصر عام 1967م وكنت وقتها طالبا بالصف الأول الثانوى، وانضممت إلى فرق الدفاع المدنى، وكنا نستقبل العسكر القادمين من سيناء ونسوقهم بسيارات المتطوعين من الأهالى إلى المدارس لإيوائهم وتقديم الطعام لهم حتى تنقلهم سيارات الجيش إلى قراهم، وكنا نعود إلى بيوتنا فجرا لنيل قسط من الراحة، فنجد سيارات الشرطة والنجدة تطوف الشوارع والطرقات للحفاظ على أمن المواطنين ومحلاتهم، كما كنا نجد قوات السوارى بخيولهم يجوبون الحوارى الضيقة، التى لاتدخلها السيارات، وعليه، لم ينهب منزل أو دكان أو شركة طوال مدة الحرب، مع أن جيش الدولة قد انهار بكامله وعاد جنوده إلى مدنهم وقراهم..!

كما حضرت حرب الوحدة باليمن عام 1994م، حيث كنت ضمن دفعة من المعارين من معاهد وكليات بخت الرضا لتدريب المعلمين اليمنيين، وحدث فى تلك الحرب التى امتدت لأشهر ثلاثة ماحدث فى مصر، من حفاظ الشرطة على الأمن الداخلى فى كل مدن وقرى اليمن، بل كانت البضائع مفروشة خارج المحلات باليمن ومغطاة بمشمعات لحمايتها من الأمطار، ولم تمتد يد لسرقتها..!

ولهذ كان عنوان مقالى بالراكوبة الغراء: (لماذا اختلفت حربنا عن حروب المنطقة التى نعيش فيها؟)

بإشارة خفية إلى النهب المنظم (مع التخريب) الذى شمل كل مرافق البلاد من منازل ومؤسسات ومصالح حكومية وخاصة ومرافق خدمية ؟

بالإشارة إلى كل ذلك.. أهديكم هذا المقال الذى وصلنى من صديق مستشار قانونى بنيويورك، والذى كثيرا ما حقق جرائم سرقات فى السودان قبل هجرته للولايات المتحدة الأمريكية.

 

من الذى سرق ونهب الوطن؟

أوس المقبول: نيويورك. مستشار قانوني 22 ابريل 2025م .

 

هذا السؤال الكبير يستحق الوقوف عنده، لأنه يكشف عن جريمة منظمة على مستوى دولة كاملة وليس مجرد تفلتات من لصوص حرب. مما يدفع أي عاقل للتساؤل: من الذي يستطيع تنفيذ عملية (نهب حضاري) بهذا التنظيم وبهذه الكثافة؟ والإجابة المنطقية الوحيدة: هي الدولة العميقة الكيزانية، وجيشها (المكوزن) الذي عجز عن حمايتنا من عام 1989م حتى الآن، وحمي مصالح الكيزان والمؤلفه قلوبهم معهم. وسأوضح ذلك بتحليل قانوني للفقرات واحدة تلو الأخرى، لأثبت أن هذا المشروع لا يقوم به إلا (نظام) وليس (تفلتات)..!

1/ إذا كان الجنجويد مشغولون بترتيب أوضاعهم بالمواقع العسكرية التى شغلوها حديثا، وقد ناموا بتك المعسكرات، واستيقظوا فجرا ليجدوا الموت يحاصرهم من كل مكان، ومات الكثير من زملائهم فى أسرتهم، فهل سينشغلون برد الإعتداء على معسكراتهم فى سوبا والمدينة الرياضية، أم بنهب المناطق الصناعية والمؤسسات والمنازل؟

هذا معناه أن القوة الرئيسة المقاتلة لم تكن متفرغة للنهب، بل منهمكة في معارك مع الجيش (المكوزن) فكيف إذا حدث النهب والسرقة بل والتخريب بهذه الدقة ؟

التحليل القانوني: يدل ذلك على وجود قوة أخرى (موازية) غير الجنجويد، مخصصة فقط للنهب والتهريب تعمل بتنظيم مختلف وبخطة واضحة، وهذه القوة لا يمكن أن تكون إلا قوة تابعة لشبكات النظام السابق، ولديها أفراد مدربون وغير ظاهرين في المعارك ولديهم معلومات وخبرات مسبقة بمواقع مؤسسات الدولة وكيفية فتحها.

2/ جميع العربات والآليات الكبيرة في الشوارع عسكرية، ولا وجود لشاحنات مدنية أو تجمعات لعمال نقل، أو علامات تدل على حركة تجارية أو سكانية، فكيف حدث النهب؟ وكيف تم تحميله فى سيارت كبيرة بعيدا عن أعين ارتكازات الجيش؟

التحليل القانوني الذكي: مع غياب مظاهر النقل المدني فالإجابة الوحيدة: كان هنالك تنسيق مسبق لاستخدام طرق خاصة وساعات محددة، وممرات مؤمنة، وهذا لا يتم إلا بتخطيط دولة عميقة، لديها نفوذ، وتعرف كيفية تتجاوز ارتكازات الجيش..!

3/ نهب كوابل وأسلاك ومكيفات وتفكيك دقيق يتطلب أدوات ومهارات ووقت طويل.

التحليل: لا يمكن لأي (متفلت عشوائي) أن يفك سلكا نحاسيا من داخل جدران الخرطوم أو مكيفات الاسبليت بهذا الاتساع والانتشار، بل هي عمليات منظمة تتطلب ورش عمل متنقلة وتخزين وإعادة توزيع، وهذا بالضبط عمل شبكات النهب الاقتصادي التي نشأت أيام الكيزان مع احتلالهم لمفاصل الاقتصاد الوطنى.

4/ تشليح العربات واصلاحها حتى العربات المعطلة تمت سرقتها وتشغيلها.

التحليل: هنا نرى دليل واضح على وجود ورش متنقلة وأشخاص لديهم قوائم بمواصفات العربات، وأرقامها، ويعلمون كيف يتم إعادة تشغيلها. هذه ليست عصابات شوارع، هذه (عصابات دولة) بخبرة جهاز الأمن الاقتصادي الكيزاني، المعتاد على تصفية الأصول العامة وسرقة مؤسسات الدولة.

5/ نهب حديد الخرطوم اللذى يكفي لأفريقيا، حجم خرافي من المواد المعدنية اختفى..!

التحليل: هذا لا يتم إلا عبر شبكة سلاسل توريد دولية ومحلية، قادرة على تصدير وتهريب الحديد الخام، وهنا يظهر دور شركات الظل الكيزانية التي تمتلك مخازن واستيراد وتصدير منذ 30 سنة، ولديها (كروت عبور) في كل المنافذ.

6/ نهب الأثاثات والمعارض بكاملها: لا يمكن تفسيره إلا بوجود خطة تدمير ممنهج للخرطوم كعاصمة.

التحليل: السؤال هنا: من يعرف كل معارض الخرطوم؟ من يعرف أين تُخزن؟ من يملك عربات تكفي لحمل مئات الأطنان؟ الإجابة: الكيزان. نفس من كان يراقب معارض السوق المركزي منذ 30 سنة هو من وضع قوائمها وأرسل الشفاشفة التابعين لهم لنهبها.

7/ سرقة مواتير المياه ومحولات الكهرباء وهى تحتاج معلومات لا يعرفها سوى شخص من الداخل.

التحليل: محولات الكهرباء والمواسير لا تُسرق اعتباطاً. هذه أدوات بنية تحتية. فقط يعرف تفكيكها من يملك معرفة هندسية بشبكة الخدمات لأنه وحده القادر على ذلك، وهم مهندسو الكيزان والبلديات، الذين (عادوا بلباس مدني). أو زى مليشيات الدعم السريع المتوفر فى مخازنهم.

8/ نهب المصانع من جياد وغيرها.. إلخ يتطلب معرفة بأماكن المصانع، ومحتوياتها، ومعدات التشغيل.

التحليل: هل من المعقول أن عصابات عشوائية تعرف بالضبط أين تقع المصانع ومخازن المواد الخام؟

لا. هذا (عمل استخباراتي). هذه ليست شفشفة، بل خطة لتفكيك السودان من الداخل تحت قيادة الدولة العميقة الكيزانية.

9/ أين الجرارات؟ وأين البنزين؟ السؤال الذهبي: من أين جاء الوقود؟

التحليل: من الذي يملك وقود في الخرطوم خلال الحرب؟ الجواب: كتائب الظل. وشركات البترول الكيزانية. وشبكات تجارة الوقود الكيزانية التي كانت تحتكر السوق قبل الثورة.

10/ كيف لم يرهم الجيش؟ وكيف عبروا الارتكازات؟ وكلنا نعلم دقة الجيش في التفتيش.

التحليل: لأن الجيش، للأسف، تمت خيانته من داخله، وكان بعض قادة الارتكازات متواطئين أو متغاضين لأسباب (أمنية عميقة). كما أن خطوط التهريب معروفة منذ عهد البشير. الكيزان لم يفقدوا معرفتهم بها.

الخلاصة: الشفشفة التي حدثت في الخرطوم ليست مجرد فوضى، إنها عمل دولة موازية لها خبرة ثلاثون سنة في النهب والفساد، ولها أدواتها الأمنية والتجارية والمليشياوية.

الدولة العميقة الكيزانية استخدمت الدعم السريع كأداة، واستغلت الفوضى لتمرير أضخم عملية سطو في التاريخ السوداني الحديث.

وإذا لم تكشف هذه الشبكات … فإن الخرطوم قد لا تبنى من جديد، بل ستتحول إلى منجم مكشوف لجشعهم الأبدي.

باختصار شديد .. من الذي نهب الخرطوم؟!

الناس تسأل: من اللي نهب الخرطوم كلها؟ من كان عنده القدرة ينقل آلاف الأطنان من البضائع؟!

والإجابة واضحة: الكيزان ودولتهم العميقة، هم الوحيدون القادرون على تنفيذ هذا الحجم من الدمار.

1/ الدعم السريع كان مشغولا بالمعارك وكان يقاتل الجيش في القيادة والمطار والمؤسسات، طيب من كان فاضي يسرق الكنب والمكيفات والمولات؟!

2/ هل من المعقول أن يتم نقل المنهوبات بتتاشرات وهايلوكسات ؟

هذا إنجاز جرارات وشاحنات ضخمة وتخطيط دقيق. من أين أتت الشاحنات؟ ومن أين جاء وقودها؟ وأين محطات تعبئة الوقود لهم؟! أسئلة منطقية تحتاج إجابة شافية..!

3/ لا توجد مجموعات نهب، لا توجد فوضى، العمل منظم ونضيف وممنهج..!

الناس كانت خايفة ومحصورة في بيوتها، والنهب يحدث بصمت، وبدقة..!

4/ تفكيك النحاس، تشليح العربات، قلع المكيفات، هذا ليس عمل ناس عاديين.. هذا شغل مهندسين، وميكانيكية، ومقاولين كبار..! وهم نفس الأفراد الذين يعملون بشركات الأمن الشعبي و(كتائب الظل) التابعة للمجرم على عثمان.

5/ الجيش كانت له ارتكازات، ويفتش السيارات والبشر، ولم يتم إيقاف شاحنة واحدة بها منهوبات..!

لماذا ؟ لأن المتورطين جزء من المنظومة..فالكيزان موجودون داخل الجيش..وفى الدولة العميقة بكل أجهزتها ..!

6/ الخرطوم كلها اتسرقت، قطعة قطعة .. دكان .. دكان .. مولات .. صيدليات.. مستشفيات.. مخازن.. مصانع…ده مشروع تدمير شامل.. ما نهب عن طريق عصابات لصوص عادية..!

هذه عقوبة جماعية من الكيزان للشعب الذى أسقط دولتهم الدكتاتورية.. وقد هددوا بذلك.. وحتى قالها ضابط (عظيم) (للأسف) فى الجيش المختطف: ياسودان بفهمنا.. يا ما فى سودان..!

ما حدث في الخرطوم ليس نهبا عشوائيا…ليس نهب لصوص.. وإنما عمل عصابات منظمة ومحمية قانونا وقد (أمنت العقوبة)، ببساطة، لأنها هى التى تحكم..!

ده مشروع كيزاني انتقامي مُعد سلفًا، استغل الحرب كغطاء لتدمير العاصمة، وكسر روح الثورة، وتهديد أي محاولة لبناء دولة جديدة..!

الكيزان_هم_العدو

الدولة_العميقة_ما_ماتت

الخرطوم_اتسرقت_ولم تُنهب!!

الثورة_مستمرة حتى النصر.

 

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *