اخبار المغرب

ترحيب دولي متواصل.. مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء تحافظ على راهنيتها بعد 20 عاما

بعد مرور ما يقارب عشرين سنة على إعلان المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، لا تزال هذه المبادرة تحظى بترحيب واسع في الأوساط الدولية وتُطرح بإلحاح على طاولة النقاش الأممي باعتبارها الإطار الأوحد لحل سياسي نهائي لقضية الصحراء المغربية.

المبادرة، التي سلمها آنذاك مصطفى ساهل، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام السابق بان كي مون، لم تكن مجرد ورقة دبلوماسية عابرة، بل تعبيرا عن تحوّل استراتيجي في تعاطي المغرب مع نزاع عمر لما يقرب خمسة عقود، وذلك عبر مقاربة تقوم على التفاوض والتوافق ضمن سقف السيادة الوطنية والوحدة الترابية.

الوثيقة، التي عكست إرادة سياسية واضحة لدى الرباط، وُصفت منذ البداية بأنها رد متقدم على نداءات مجلس الأمن المتكررة التي طالبت الأطراف المتنازعة بتقديم حلول جدية وواقعية تتجاوز الجمود السياسي، فيما  اعتبر المغرب أن تقديم هذه المبادرة يدخل في صميم جهوده لبناء نموذج ديمقراطي متجذر في دولة القانون والحريات، يقوم على التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع ضمان مشاركة أبناء المناطق الصحراوية في تدبير شؤونهم بأنفسهم، من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية تمارس صلاحياتها في إطار مبدأ تكافؤ الفرص.

ومع توالي السنوات، تحول مشروع الحكم الذاتي من مجرد مبادرة سياسية إلى حجر زاوية في الخطاب الدبلوماسي المغربي، حيث بات يُقدَّم على أنه الأساس الوحيد الممكن لتسوية النزاع المفتعل، وهو ما أكد عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس في أكثر من خطاب رسمي، مشددا على أن لا حل خارج سيادة المملكة ولا تفاوض حول مغربية الصحراء.

بنود المبادرة

المبادرة تنصّ على تمكين سكان الصحراء من إدارة شؤونهم المحلية بشكل ديمقراطي، في مجالات مثل التنمية الاقتصادية، والتخطيط الجهوي، والتعليم، والصحة، والثقافة، والبيئة، مع الاحتفاظ للدولة المركزية باختصاصاتها السيادية في مجالات الدفاع، الأمن، العلاقات الخارجية، والسلطات الدستورية والدينية للملك باعتباره أمير المؤمنين.

كما تلتزم الدولة بتخصيص الموارد المالية الكافية لتأهيل الجهة وتمكينها من الإسهام الفعلي في التنمية الوطنية، عبر نظام تمويلي متعدد المصادر يشمل الضرائب المحلية وعائدات الثروات الطبيعية، بالإضافة إلى الدعم المالي التضامني من الدولة.

وقد حرص المغرب من خلال هذا التصور على تأكيد رغبته في إدماج كافة أبناء أقاليمه النوبية، سواء المقيمين داخله أو أولئك المتواجدون بالخارج، في إطار عادل ومنصف، يضمن مشاركة الجميع في مؤسسات الجهة، ويكرس حقوقهم كاملة في إطار المساواة مع باقي المواطنين.

كما تقدم المشروع بتصور واضح بشأن كيفية تشكيل الهيئات التمثيلية، وعلى رأسها برلمان الجهة الذي يتشكل من تمثيلية قبلية واقتراع مباشر، إضافة إلى تمثيلية نسائية، بينما يتولى رئيس حكومة الجهة المنتخب من قبل البرلمان الجهوي والمعين من قبل الملك تسيير الجهاز التنفيذي المحلي.

القضاء المحلي بدوره يندرج ضمن رؤية شاملة لاستقلالية الهيئات الجهوية، من خلال إحداث محكمة عليا جهوية تُعنى بتأويل قوانين الجهة، على ألا تمس بصلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو المحكمة الدستورية على المستوى الوطني. أما القوانين المحلية فتلزم بمقتضيات الدستور وميثاق الحكم الذاتي، ضمانًا للتناسق القانوني والوحدة التشريعية للدولة.

ذات راهنية

في السياق الراهن، لم تفقد المبادرة المغربية بريقها، بل عززت من موقعها في ظل التحولات الإقليمية والدولية، خاصة بعد توالي الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء، وفي مقدمتها موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي اعتُبر نقطة تحول في مسار النزاع. كما شهدت السنوات الأخيرة افتتاح عدد من القنصليات الأجنبية في مدينتي العيون والداخلة، في ما اعتُبر دعمًا فعليًا للموقف المغربي.

على المستوى الأممي، استمر مجلس الأمن في اعتبار المبادرة المغربية مرجعا جديا وذا مصداقية، وذلك في العديد من قراراته المتتالية منذ 2007 وحتى آخر تقرير له سنة 2024، مشددا على ضرورة انخراط جميع الأطراف في مفاوضات واقعية ودون شروط مسبقة، وفق منطق الحل السياسي المتفاوض بشأنه.

وتكمن قوة المبادرة، حسب العديد من المحللين، في توازنها بين منطق السيادة والوحدة الترابية من جهة، ومنطق الحكم المحلي والديمقراطية التشاركية من جهة أخرى. فهي لا تقترح الانفصال أو التفريط، بل تقدم نموذجا مندمجا للحكم الذاتي يراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة، وعلى رأسها الهوية الحسانية الصحراوية، ويمنح ساكنة الصحراء الإمكانيات المؤسساتية والتنموية لتسيير شؤونهم بشكل فعّال.

رغم العراقيل التي تضعها جبهة البوليساريو والدعم الجزئي الذي لا تزال تتلقاه من بعض الأطراف، إلا أن دينامية الحل الواقعي باتت تفرض نفسها بمرور الوقت، خاصة في ظل محدودية الطروحات الانفصالية وصعوبة تنفيذها في السياق الجيوسياسي المعقد للمنطقة المغاربية.

واليوم، وبعد مضي ما يقارب العقدين على إطلاقها، تؤكد مبادرة الحكم الذاتي المغربية صلابتها السياسية ومرونتها القانونية، كحل دائم وشامل يراعي مصلحة الساكنة ويحافظ على الاستقرار الإقليمي، في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية والتنموية التي تفرض على الجميع التوجه نحو الحلول الواقعية عوض الاستمرار في دوائر الصراع العقيم.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *