اخر الاخبار

وقفُ إطلاقِ النارِ في البحرِ الأحمرِ… قراءةٌ تحليليةٌ في رؤى ناصر قنديل وإسماعيل النجار: اليمنُ يُعيدُ تشكيلَ المحورِ ويكسرُ الهيمنةَ البحريةَ

أمد/ من بيروتَ إلى صنعاء، ومن مياهِ المتوسط إلى أعماقِ البحرِ الأحمر، ترتسم ملامحُ مرحلةٍ جديدةٍ في معادلاتِ الردعِ ومحاورِ الصراعِ، أبطالُها ليسوا في غرفِ البيتِ الأبيض، بل في جبالِ مران وسواحلِ الحديدة، حيثُ تُصاغُ المعادلاتُ بحبرِ الصواريخِ ودويِّ المسيّرات.

في قراءتين استثنائيتين للإعلاميَّين ناصر قنديل وإسماعيل النجار، نلحظ تحوّلًا استراتيجياً في المشهد الجيوسياسي للمنطقة، بعد الإعلانِ غيرِ المسبوق من الإدارة الأميركية عن وقفِ إطلاقِ النار مع اليمن، خارجَ تنسيقٍ مع “إسرائيل”، بل وبمعزلٍ عنها، الأمر الذي اعتبره قنديل والنجار تجليًا واضحًا لتوازنِ الردع الذي فرضه اليمنُ على أميركا والكيانِ معاً.

 

إسماعيل النجار: قراءةٌ في خفايا الاتفاق ونتائج الصواريخ:

يُفكّك الإعلامي إسماعيل النجار هذا التطور من زاوية استخباراتية واستراتيجية دقيقة، فيرى أن أميركا لم تأتِ إلى الطاولة بيدٍ ممدودة، بل بركبةٍ مجروحة وبوارج مثقوبة، بعد أن أدركت أن اليمن ليس مجرد تهديد تكتيكي بل خطر وجودي على مصالحها في البحر الأحمر. ويشير النجار إلى أن الوساطة العُمانية لم تكن سوى غطاءٍ لهزيمة بحرية مدوية حاولت واشنطن تجميلها بمصطلحاتٍ دبلوماسية.

ويضيف النجار أن الحسم اليمني جاء بصيغةٍ مختلفة، لا عبر بيانات ولا مؤتمرات صحفية، بل بلهيب الصواريخ الدقيقة، التي أسقطت هيبة السفن الأميركية، وجعلت من مضيق باب المندب منطقة محرّمة بلا إذنٍ من صنعاء.

بل إن الأهم — كما يرى النجار — هو أن الاتفاق لا يشمل “إسرائيل”، بل بالعكس، فإن اشتداد الحصار البحري عليها يُعدّ نتيجة مباشرة لهذا الانتصار اليمني، ما يعني أن اليمن لا يقايض فلسطين بمصالحه، بل يثبت أنه ذراعها البحري وسيفها الطويل.

 

ناصر قنديل: اليمنُ ملأَ فراغَ الضاحية وصاغَ معادلةَ الردع الجديدة:

أما الإعلامي والمحلل ناصر قنديل، فيذهب إلى قراءة أعمق تُلامس بُنية المحور نفسه. فيراه وقد أعاد ترتيب أولوياته، واضعاً اليمن في قلب المعادلة لا على هامشها.

يقول قنديل إن السيد نصر الله لطالما حذّر من لحظةٍ تُختبر فيها جهوزية الحلفاء، وها هو اليمن يخرج من الاختبار بطلاً، يمسك بزمام الردع من البحر الأحمر ويُعلن: “نحنُ هنا”.

في مقالاته الأخيرة، شبّه قنديل المشهد بالتحوّل التاريخي الذي شهده العالم حين تسلّمت دمشق دور القاهرة بعد العدوان الثلاثي، واليوم تتسلّم صنعاء راية المبادرة في غياب السيد نصر الله العلني، وكأنها تقول للمحور: “لن تسقط الراية”.

ويُشدّد قنديل على أن سقوط طائرة F18 من على متن حاملة “هاري ترومان”، والتفوق التقني اللافت في استهداف السفن الأميركية بدقة متناهية، لم يكن مجرّد تكتيك يمني، بل إعلان هندسي لعصرٍ جديد من الصناعات الحربية التي تنطلق من أفقر بلدٍ عربي، لكنها تُرعب أغنى جيوش الأرض

في العمق: محورٌ يُعادُ تشكيلُهُ من الضالع إلى غزة

يتقاطع تحليلا قنديل والنجار عند نقطة جوهرية: اليمن لم يعُد جزءًا من محور المقاومة، بل أحد أركانه الثابتة، إن لم يكن رأس حربته في البحر والبر. 

لم يعُد مجرد سند لغزة، بل باتَ منصة انطلاقٍ استراتيجي تُحدَّدُ على ضوء ضرباته الخطوطُ الحمراء.

ومن خلال التحالف مع محور المقاومة، ترسخ صنعاء مكانتها كعاصمة ردع بحري، تُملي على واشنطن شروط السلام، لا تترجّاها.

بينما تئنّ “تل أبيب” تحت وطأة الحصار البحري، عاجزة عن الرد، ومشلولة أمام المعادلات التي كُتبت في جبال صعدة وامتدّت إلى أسواق عسقلان.

خاتمة: اليمنُ يُرسي معادلةَ البحر ويُبشّر بقدومِ الشرقِ الجديد

إن ما جرى في البحر الأحمر ليس هدنة، بل انقلاب استراتيجي كامل، أرسى من خلاله اليمن معادلةً ردعية جديدة، تضع مصالح أميركا البحرية تحت نِصال “أنصار الله”، وتحاصر “إسرائيل” من قلب المياه الدولية.

لقد فرضت صنعاء توقيعًا أميركيًا على وثيقة العجز، دون أن تُوقّع هي ذاتها على أي تراجع. فاليمن، بهذا الإنجاز، أعاد صياغة مفهوم السيادة، وصعدَ إلى مصاف الدول المُقرّرة في المنطقة، لا التابعة.

ومن هنا، فإن محور المقاومة، وقد مُدَّتْ جذوره إلى البحر الأحمر، لن يعود كما كان؛ بل صار أكثر امتدادًا وتكاملًا، وأكثر قدرة على المواجهة الشاملة، في البرِّ والبحرِ والجو، وها هي غزة تستظلّ براية يمنية، لم تنكسها العواصف، ولم تهزّها الأساطيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *