مفاجأة ترمب في الشرق الأوسط: إعادة تشكيل النفوذ أم تصعيد جديد؟

أمد/ في ظل ترقب سياسي إقليمي ودولي، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإعلان ما وصفه بـ”مفاجأة كبرى” تتعلق بالشرق الأوسط، وذلك خلال زيارته المقررة إلى السعودية وعدد من دول الخليج الأسبوع المقبل. الإعلان المرتقب يوم الخميس المقبل يُعد من أبرز الملفات التي أعادت تسليط الضوء على سياسة ترمب الخارجية في ولايته الثانية، لا سيما بعد سلسلة من الخطوات المثيرة للجدل التي اتخذها تجاه قضايا ساخنة مثل اليمن، غزة، والخليج العربي.
فما طبيعة هذه المفاجأة؟ وما دوافعها الحقيقية؟ وهل هي تحرك استراتيجي مدروس، أم استمرار لنهج ترمب القائم على إحداث الصدمة لتحقيق المكاسب السياسية؟
أولًا: الخلفية السياسية ترمب في ولايته الثانية
منذ عودته إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، أعاد دونالد ترمب تفعيل أدواته السياسية بنفس الروح التي ميزت ولايته الأولى، لكن باندفاع أكبر ومرونة أقل. لم يعد ترمب يخشى الاصطدام المباشر بالحلفاء والخصوم على حد سواء، بل بدا عازمًا على إعادة صياغة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
أولى إشارات هذا التوجه تمثلت في خطط الزيارة الموسعة إلى المنطقة، حيث تشمل السعودية، الإمارات، وقطر، وهي دول تمثل المحور الأساسي للشراكة الأمريكية في الخليج، والمرتكز المحتمل لأي مبادرة إقليمية شاملة.
ثانيًا: الخليج العربي بدلًا من الفارسي الرمزية والصراع التاريخي
من المتوقع أن يعلن ترمب خلال زيارته المرتقبة تغيير التسمية الرسمية الأمريكية للخليج من “الخليج الفارسي” إلى “الخليج العربي”، وهو قرار يكتسب دلالة سياسية أكثر من كونه لغوية. هذه التسمية المتنازع عليها منذ عقود بين العرب وإيران، تمثل خطًا أحمر لدى طهران التي تعتبر أي تغيير في المصطلح مساسًا بهويتها التاريخية.
بالنسبة لدول الخليج، يمثل هذا التحول دعمًا سياسيًا مباشرًا يعزز موقفها في صراع النفوذ مع إيران، ويعكس انحيازًا أمريكيًا أكثر وضوحًا من ذي قبل، بما يتجاوز الشراكة العسكرية والاقتصادية إلى الدعم الرمزي والهوياتي.
ثالثًا: اليمن وقف الضربات وتغيير التكتيك
في خطوة مفاجئة أخرى، أعلن ترمب وقف الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، مشيرًا إلى أن الجماعة أبدت استعدادًا لإنهاء الهجمات على الملاحة الدولية، لا سيما في البحر الأحمر. جاءت هذه الخطوة عقب وساطة عمانية، وتهدف على ما يبدو إلى تخفيف التصعيد العسكري وفتح نافذة جديدة للتسوية.
لكن ما يُفهم ضمنيًا من هذا القرار أن ترمب يريد إعادة ترتيب أولويات التدخل العسكري الأمريكي، بتوجيه الجهد نحو ملفات يعتبرها أكثر أهمية، وعلى رأسها غزة وإسرائيل، دون أن يظهر بمظهر المتراجع أو المتهاون.
رابعًا: غزة الخطة الأخطر والأكثر جدلًا
الجزء الأكثر حساسية في تحركات ترمب الأخيرة يتعلق بإعلانه المفاجئ عن نية الولايات المتحدة السيطرة مؤقتًا على قطاع غزة، بالتوازي مع “إعادة توطين السكان الفلسطينيين” في دول مجاورة، وتقديم خطة تنمية اقتصادية كبرى لتحويل القطاع إلى “منطقة مستقرة ومنفتحة تجاريًا”.
هذا المقترح، الذي لم تُعلن تفاصيله كاملة بعد، أثار موجة من الاستياء والقلق في الأوساط السياسية والحقوقية، حيث اعتُبر محاولة لفرض حل خارج إطار القانون الدولي، ويمسّ بشكل مباشر بحقوق الفلسطينيين في أرضهم، بل يُفهم ضمنيًا على أنه تصفية للقضية الفلسطينية عبر التهجير الاقتصادي المقنّع.
خامسًا: الرهائن الإسرائيليون والتهديد بـ”جحيم” إقليمي
لم يكتفِ ترمب بالتحركات السياسية والعسكرية، بل تبنى خطابًا تهديديًا مباشرًا عندما صرح بأن “جحيمًا سيندلع في الشرق الأوسط” إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس قبل موعد زيارته. هذا التهديد، على غرار تصريحات سابقة له، يعكس أسلوبه في استخدام القوة الرمزية والتصعيد الإعلامي كأداة ضغط على خصومه.
الرسالة كانت موجهة بوضوح إلى حماس، ولكن أيضًا إلى إيران وكل من يدعمها في المنطقة، في إطار سياسة “الصفر تسامح” التي تبناها منذ ولايته الأولى.
سادسًا: زيارة مرتقبة وأجندة غامضة
زيارة ترمب المقبلة للشرق الأوسط، التي تبدأ في 13 مايو، تترافق مع أجندة غامضة، لم تُكشف تفاصيلها بعد، لكنها على الأرجح ستتضمن إعلانات سياسية واقتصادية وأمنية على مستويات متعددة. هناك حديث عن تحالف اقتصادي جديد يشمل مشاريع بنية تحتية وأمن سيبراني، بالإضافة إلى صفقات سلاح ضخمة لتعزيز الدفاع الخليجي.
البعض يتوقع أيضًا الإعلان عن مبادرة “سلام اقتصادي” تشمل غزة، الضفة الغربية، ومناطق في سيناء، كجزء من مشروع إقليمي لإعادة ترتيب النفوذ والسيطرة.
ختاماً: ما وراء المفاجأة.. عودة مهيمنة أم بداية تصعيد؟
سواء كانت مفاجأة ترمب يوم الخميس تتعلق بالخليج، اليمن، غزة، أو كلها مجتمعة، فإن الثابت أن الرئيس الأمريكي يعود إلى الساحة الدولية بطموح أكبر لا يقتصر على إدارة الملفات، بل إعادة تشكيلها من جديد.
تحركاته تفتح بابًا للتساؤل: هل نحن أمام سياسة خارجية أكثر وضوحًا وفعالية؟ أم أمام تصعيد جديد قد يُدخل المنطقة في حلقة جديدة من الفوضى تحت شعار “الردع” و”الحزم الأمريكي”؟
في جميع الأحوال، ما سيعلنه ترمب هذا الأسبوع لن يكون مجرد تصريح عابر، بل نقطة تحول يُفترض أن تعيد رسم ملامح السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.