اخبار السودان

إعادة ترتيب القوي المدنيّة لمُقابلة التحديّات (١)

نضال عبدالوهاب
نضال عبدالوهاب

نضال عبدالوهاب

 

ظلت القوي المدنية والسياسِية في السُودان تطلّع بدور كبير ويقع عليها عبئ ثقيل في السُودان لمحاولة المُساهمة المُباشرة في حركة التغيير فيه وعمليتي النهوض والبناء…

وظلت ولحقب عديدة ومُختلفة تقاوم الأنظمة الديكتاتورية والعسكرية في السُودان ، وشاركت في الإنتفاضات والثورات المُختلفة فيه وكان لها إسهام كبير في صناعتها وقيادتها وسط الشعب السُوداني ، ورُغم أن بلادنا لم يُتاح لها الوصول لتحول ديمُقراطي حقيقي ومُستقر طوال تاريخها الحديث مابعد الإستقلال في كافة أجزائه ، وظلت الصرّاعات والحرب والحلقة الشريرة هي المُسيطرة علي بلادنا ، وبالتالي عدم الإستقرار السياسِي والوصول لدستور ديمُقراطي دائم وشكل للدولة والحُكم ومؤسسات ديمُقراطية فاعلة ومُستقرة ، مما كان له أن ينعكس إيجاباً في تطور بلادنا وتقدمها بما فيها من موارد وإمكانيات ، لذلك فكل مايمكن أن نُطلق عليه بالقوي المدنية سواء أحزاب سياسِية أو مُنظمات مُجتمع مدني و نقابات فئوية ومهنية وأجسام شبابية ونسوية وطُلابية ظلت ومع أهميتها في مُجمّل حركة التغيير ومايللزم للنهوض بها والبناء عُرضة بشكل مُستمر للمُحاربة والمُطاردة والمُلاحقة أو الأختراق أو التعطيّل والتكسيّر من الأنظمة الشمولية والعسكرية وبواسطة أذرعها وأجهزتها الأمنيّة والبوليسية ، و مُكبلة بالقوانين المُقيّدة للحريات ، مما أعاق تطورها هي نفسها وتحديثها ، وكذلك زاد هذا الأمر سؤاً عدم وجود تحول ديمُقراطي حقيقي ووضع سياسِي مُستقر في بلادنا به قدر كبير من الحرية والديمُقراطية ، كان من المؤكد إنعكاسه إيجابياً كُل هذه القوي نمواً وتحديثاً وتقدماً.

ومع هذا وكما ذكرت في بداية هذا المقال أنها كان لديها علي ماهي عليه من عيوب وماتواجهه من مُحاربة مُساهمات فعالة ونضال طويل لمحاولات فعل التغيير والنجاح فيه ، وظلّ يتراجع دورها كُلما زادت حدة العداء لها والتكسيّر المُتعمّد ، وكُلما لمللّت من أطرافها في الأوقات التي تعقب نجاح الأنتفاضات والثورات الشعبية السُودانية المُختلفة وبصيص الحرية أثناء ومابين مراحل وفترات الأنظمة الشموليّة والدكتاتورية العسكرية تدور ضدها الكرَة مرة أخري مع كُل نظام إستبدادي آخر جديد ، فيتراجع مُجدداً دورها وإسهاماتها.

ظلّ واقع القوي المدنية علي هذا النحو حتي خلال حُكم الإسلاميين الطويل والمُمتد ، والذي ونسبةً لقمعه ومُحاربته غير المسبوقة لكافة أشكال التنظيمات والقوي المدنية والسياسِية وبكافة الوسائل ، وكانت تلك الفترة الطويلة من حكمهم تستدّعي محاولات البقاء والمقاومة من القوي المدنية السياسِية أحزاب كانت أو غيرها ، بل ومحاولة إبتداع أشكال مدنية أخري وأجسام للمقاومة ضد نظام الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني القائم علي الإنقلاب العسكري والمعتمد علي الأجهزة الأمنية والمليشيات في المُحافظة علي سُلطته وقبضته علي الحكم وسيطرته علي البلاد.

ونجح الشعب مع قواه المدنية والسياسِية وكذلك حركة مقاومة حركات الكفاح المُسلح في زعزعة وإضعاف سُلطة القهر والقبضة الحديدية لنظام المؤتمر الوطني ، وكان لدخول تكتيكات جديدة في الثورة علي النظام وإبتداع وسائل جديدة تمثلت في لجان المقاومة وحركة الشباب والمهنيين مع إعادة لتنظيم صفوف بقية القوي المدنية وتوحدها جميّعاً ضد بقاء النظام الدكتاتوري أسهم كُل هذا أخيراً في إضعاف وترنح ثم سقوط النظام وفق سناريو ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المعلوم للجميّع ، والتي هي بكل المقاييس ورغم كُل الإخفاقات اللاحقة وما حدث بعدها إلا أنها تعتبر نموذج للعمل الثوري والشعبي الجماهيري الكبير الناجح الذي فشلنا للأسف في الإستفادة منه والبناء عليه لإستمرار حركة التغيير ثم النهوض والبناء ، بل فشلنا حتي في المُحافظة علي ما تم من جهد وعمل عظيّم ، وساهمت في هذا الفشل الكبير ومآلات ماحدث بعدها وحتي التوقيت الحالي ذات القوي المدنية والسياسِية والتي كانت قد شاركت ونجحت مع الشعب السُوداني في التغيير الذي تم في أبريل ٢٠١٩م ، والكُل تابع أحداث وتفاصيّل ماتم بعد هذا مروراً بالفترة الإنتقالية ثم إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م ثم حرب ال ١٥ من أبريل ٢٠٢٣م المُدمرة لبلادنا والمُهددة حتي لوجودها ولبقاء شعبنا فيها ، وكيف تحولت أُمنيات وآمال الشعب السُوداني في التغيير وإعادة التأسيس والتحول الديمُقراطي والتنمية والتقدّم مع السلام الشامل والعادل و الوحدة إلي كابوس و واقع كارثي وخطير جداً علي حاضر ومُستقبل بلادنا….

نواصل في الجزء القادم ومايليه حول إعادة ترتيب القوي المدنية وفق التحدّيات التي تجابهها بلادنا الآن ، مع محاولة وضع اليد علي الجرّح والأخطاء الكارثية للقوي المدنية ومن كانوا يقودون خلالها حتي وصلنا لما نحن فيه الآن ، ونختم فيها بكيف لنا تغيير هذا الواقع المرتبط بالقوي المدنية وإحداث تغييرات داخلها تفكيراً وعقليّة وقيادةً وفعلاً نحو قوي مُوحدة و أكثر فاعليّة وتماسُك ، يثق بها الشعب السُوداني ويقبل بها تقود عمليّة التغيير والبناء مُجدداً ، تُسهم أولاً في وحدة بلادنا ووقف الحرب المُدمرة الحالية والتصدّي للتآمر عليها وفي إنقاذ بلادنا وشعبنا ثم إنتقالها لمستقبل أفضل بإذن الله تعالي.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *