سؤال: من يجبر إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بتحمل مسؤولياتها؟ مصطفى ابراهيم

صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أول أمس بالإجماع على توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة، وسيتم ارجاء تنفيذ القرار إلى ما بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، والمقررة خلال الأيام القريبة القادمة. كما وافقت حكومة الاحتلال بشكل مبدئي على الخطوط العريضة لتوزيع مساعدات إنسانية مستقبلية للفلسطينيين في قطاع غزة، وتشير الخطة إلى أن هذه المساعدات لن تقدم فورا، بل ستدار مستقبلا من خلال شركات أمنية مقرها الولايات المتحدة وما تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” الغامضة.
وحسب ما تتناقله بعض وسائل الاعلام أنه تم تسجيل (مؤسسة غزة الإنسانية) في سويسرا في وقت سابق من العام الجاري 2025، ولا توجد لدى أي من رؤساء المؤسسة أي روابط واضحة أو خبرة في مجال الإغاثة الإنسانية.
وفي بيان مهم صدر من الفريق القُطري والوكالات الأممية والدولية والمنظمات الأهلية الفلسطينية أكد بالإجماع، وبدعمٍ من الأمين العام للأمم المتحدة بأنهم لن يشاركوا في أيِّ برنامجٍ لا يلتزم بالمبادئ الإنسانية العالمية المتمثلة في الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد.
تطبيق هذه الألية يعني استمرار حرمان أجزاء كبيرة من الناس في غزة، بما في ذلك الفئات الأقل قدرة على الحركة والأكثر ضعفًا، من الإمدادات. يتعارض هذا مع المبادئ الإنسانية الأساسية، ويبدو أنه مصمم لتعزيز السيطرة على المواد الأساسية للحياة كأسلوب ضغط، كجزء من استراتيجية عسكرية. هذا يجبر الفلسطينيين النزوح إلى المناطق العسكرية للحصول على حصصهم الغذائية، مما يهدد حياتهم، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني، ويزيد من ترسيخ النزوح القسري.
في قلب هذا الرفض تحاول دولة الاحتلال التهرب من مسؤولياتها القانونية التي تنبع من التزاماتها كقوة احتلال، وفقا للقانون الدولي. وبموجب ذلك يجب عليها إعادة الحياة العامة والنظام العام وضمانهما في الأراضي المحتلة بالقدر الذي التزمت به الحكومة الشرعية.
وإذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو جزء منهم يعانون من نقص في الإمدادات، فعليها الموافقة على خطط الإغاثة، نيابةً عن السكان الفلسطينيين ولصالحهم – وليس لمصلحتها الخاصة – وعليها تسهيلها بكل الوسائل المتاحة لها.
وعليه يجب أن تُنفَّذ خطط الإغاثة من قِبَل منظمات إنسانية محايدة، قادرة، والعمل بفعالية وجديرة بالثقة. وإذا قُدِّمت المساعدة بطريقة غير محايدة، فلا يُمكن تصنيفها كمساعدة إنسانية. وتنص مواد القانون الدولي المتعلقة بحماية الأشخاص في حالات الكوارث، على أن الجهة المساعدة هي منظمة دولية مختصة، أو منظمة أو كيان غير حكومي ذي صلة، وفقًا لمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة، وعلى أساس عدم التمييز، مع مراعاة احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً.
إسرائيل لم تلتزم بالقانون الدولي وتسعى لتفسيره حسب احتياجاتها ومصالحها الخاصة، وبناء على ذلك تعمل من خلال توجيه المساعدات عبر شركات امنية خاصة، إلى التهرب من المسؤولية عن جرائم حرب الإبادة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وما ترتكبه إسرائيل يصنف كجرائم حرب، وهذا ما هو قائم من خلال تدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتجويع السكان المدنيين، ونقلهم القسري من أماكن سكنهم.
ومع ذلك ووفقا للقانون الدولي بشأن الالتزامات القانونية الدولية ذات الصلة والممارسات الجيدة للدول فيما يتعلق بعمليات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاعات المسلحة” على أن المسؤولين الحكوميين، سواء كانوا قادة عسكريين أو رؤساء مدنيين، أو مديرين أو رؤساء تنفيذيين لشركات الأمن العسكري الخاصة، قد يكونوا مسؤولين عن الجرائم بموجب القانون الدولي التي يرتكبها أفراد هذه الشركات تحت سلطتهم وسيطرتهم الفعلية.
وإسرائيل كونها القوة المحتلة تتخلى عن مسؤولياتها، حتى لو تعاقدت مع شركات عسكرية وأمنية خاصة للقيام بأنشطة معينة، ملزمة باتخاذ جميع التدابير ما في وسعها لاستعادة النظام العام والسلامة العامة وضمانهما، أي منع انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
بعد توضيح هذه المعايير، يمكن استخلاص سعي دولة الاحتلال إلى إغلاق نظام توزيع المساعدات القائم الذي تديره الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني، وإقناع المنظمات بالموافقة على تسليم الإمدادات عبر مراكز إسرائيلية بموجب الشروط التي وضعها الجيش الإسرائيلي.
“مؤسسة غزة الإنسانية” مؤسسة ليست جهة محايدةً لتقديم المساعدات، وإن ما يُزعم أن تقديم المساعدات عبر شركات أمنية عسكرية خاصة يتناقض تناقضاً صارخاً مع مبادئ العمل الإنساني المتمثلة في الاستقلالية والحياد في تقديم المساعدات. وان الخطة التي قدمتها إسرائيل لا تُعفيها بأي حال من واجبها في الموافقة على وجود وأنشطة المنظمات الإنسانية المحايدة وتسهيلها.
منذ 19 شهراً من حرب الابادة الجماعية، والعالم يشاهد ويسمع أحداث النكبة الفلسطينية الثانية. والاسئلة حول حرب الإبادة وأنها ليست مجرد حدث، وحصره في تقديم المساعدات الانسانية، بل أنها عملية مستمرة من خلال تغييرات وفرض وقائع على الأرض ضمن أهداف مخطط لها مسبقاً. هذا الصمت والعجز الدولي على جرائم الحرب، وانكار إسرائيل لمسؤولياتها القانونية وأنها تسيطر على قطاع غزة والضفة الغربية بصفتها قوة الاحتلال الغاشم؟
يدور هذا النقاش الإسرائيلي، وسعي الاحتلال لإقناع الوكالات الدولية بالعمل مع قوات الاحتلال حسب مصالحها السياسية والأمنية، وتركت وحيدة من دون أي حماية لها من المجتمع الدولي؟ والأسئلة الجوهرية بشأن حرب الإبادة؟ وأسئلة أكثر مما هو توزيع المساعدات؟
وموقف الفلسطينيين كسلطة وفصائل، وما هو الموقف الرسمي الفلسطيني، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية في التعامل مع دولة الاحتلال القوة القائمة بالاحتلال وتحملها مسؤولياتها وفق القانون الدولي؟ ودورها في ظل تعميق سيطرة دولة الاحتلال على القطاع باحتلاله، وتجسيد ذلك بالبقاء على الأرض، والتحكم في مصير الفلسطينيين واجبارهم على النزوح للمراكز التي ستخصصها للناس لاستلام المساعدات في الجنوب، وهي ضمن خطط دولة الاحتلال للتهجير القسري من خلال التجويع.