اخبار السودان

سباق التسلح السوداني ولهيب إقليمي يُذكي نار الحرب

✍️ محمد هاشم محمد الحسن
في أتون الصراع السوداني المتصاعد، والذي يمزق أوصال البلاد ويُهدد بتفتيتها، يبرز سباق محموم للتسلح كأحد أبرز ملامح هذه الحرب القذرة. لم يعد الأمر مجرد سعي محموم للحصول على أي قطعة سلاح، بل تحول إلى بحث دقيق ومدروس عن أسلحة نوعية قادرة على قلب الطاولة في ساحات القتال المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وفي هذا السياق المعقد، تكتسب التحركات الإقليمية أهمية قصوى، حيث تتداخل المصالح وتتشابك التحالفات. تأتي زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الأخيرة إلى الجزائر في قلب هذا المشهد المضطرب، لتُثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الدعم الذي قد يحصل عليه، وتأثير ذلك على مسار الحرب ومستقبل المنطقة بأسرها.

ففي ظل التصعيد الحاد في العلاقات الجزائرية الإماراتية، والذي تفجر على خلفية استضافة أبوظبي لشخصية ثقافية جزائرية ذات آراء مثيرة للجدل، يجد الجنرال الساعي نفسه أمام فرصة استثنائية. يسعى الجنرال الساعي في السودان، بلا شك، إلى استغلال هذه التصدعات الإقليمية لصالحه، مُستهدفًا الحصول على دعم عسكري نوعي من الجزائر، التي تُعرف بقدراتها العسكرية وعلاقاتها المتوازنة نسبيًا في المنطقة. ولفهم دوافع الجزائر، يجب الأخذ في الاعتبار سياستها الخارجية المستقلة نسبيًا، ورغبتها في لعب دور محوري في المنطقة المغاربية والقارة الأفريقية. قد ترى الجزائر في دعم طرف قوي في السودان وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي ومواجهة أي محاولات لتقويض استقرار المنطقة. كما أن هناك تيارات داخلية في الجزائر قد ترى في دعم طرف يواجه ما تعتبره تدخلات خارجية موقفًا مبدئيًا يتوافق مع تاريخ الجزائر في دعم حركات التحرر ومقاومة النفوذ الأجنبي هذا بالاضافه لتوتر العلاقات مع الامارات.
الحديث هنا يدور تحديدًا حول أسلحة قادرة على تحييد التفوق الذي تحققه قوات الدعم السريع في مجال المسيرات، بالإضافة إلى القدرة على اختراق منظومات الدفاع الجوي التي قد تمتلكها.

هذا النوع من الدعم العسكري، إذا تحقق، سيُمثل تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في ميزان القوى، وقد يُمكن الجيش السوداني من تحقيق مكاسب ميدانية حاسمة بعد فتره من الجمود النسبي. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فمن المؤكد أن هذه الزيارة ستثير قلقها العميق. قد تدفعهم إلى البحث عن مصادر دعم إقليمية بديلة، مما قد يُدخل الصراع في مرحلة جديدة من التنافس الإقليمي على الأراضي السودانية. من المرجح أن يُكثف الدعم السريع من اتصالاته مع القوى الإقليمية التي تربطها بها علاقات جيدة، سعيًا للحصول على ضمانات أو دعم موازٍ يُحافظ على توازن القوى.

إلا أن هذا التوجه نحو التسلح النوعي، والذي يُغذي نار الحرب بلهيب إقليمي مُتصاعد، يحمل في طياته مخاطر جمة تُنذر بعواقب وخيمة. إنه يُنذر بتصعيد خطير في وتيرة القتال، واستدراج المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية، حيث تسعى كل قوة إقليمية ودولية فاعلة لحماية مصالحها ونفوذها في السودان، الذي يكتسب أهمية جيوسياسية متزايدة. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار الحرب وسباق التسلح سيستنزف موارد السودان الشحيحة أصلاً. بدلاً من توجيه هذه الموارد نحو إعادة الإعمار وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب، سيتم إنفاقها على شراء الأسلحة والعتاد، مما سيُعمق الأزمة الاقتصادية ويُزيد من معاناة المواطنين. كما أن عدم الاستقرار الاقتصادي سيُعيق أي جهود مستقبلية لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة.

الهجوم الذي وقع على مدينة بورتسودان، والتي تُعد بمثابة الشريان الحيوي المتبقي للجيش السوداني، يُنظر إليه على نطاق واسع كإشارة واضحة إلى حاجة الجيش الماسة للحصول على أسلحة متطورة. إن السعي المحموم لتأمين هذه الأسلحة يُؤكد أن منطق القوة والسلاح لا يزال هو اللغة السائدة في هذا الصراع المدمر، وأن فرص الحل السياسي تتضاءل في ظل تصاعد وتيرة العنف.

ومع استمرار تدفق الأسلحة من مختلف المصادر، واستمرار التدخلات الخارجية التي تُعمق الانقسام وتُطيل أمد الحرب، يتلاشى الأمل تدريجيًا في حل سياسي شامل وعادل يُنهي معاناة الشعب السوداني. ليحل محله واقع مرير من العنف المستمر، والنزوح القسري، والتدهور الإنساني المتفاقم الذي يُنذر بكارثة إقليمية أوسع.

في الختام، يمكن القول إن سباق التسلح في السودان لم يعد مجرد صراع داخلي على السلطة والثروة، بل تحول إلى ساحة لتنافس إقليمي خفي ومُعلن، حيث تُستخدم الأراضي السودانية كحلبة لتصفية الحسابات بين القوى المتنافسة، ويدفع المدنيون السودانيون ثمناً باهظاً لهذه اللعبة الخطرة التي تُغذيها الطموحات الإقليمية وصفقات السلاح المشبوهة، لتُبقي السودان في دائرة مفرغة من العنف والدمار الذي لا يبدو له نهاية قريبة. إن زيارة البرهان إلى الجزائر ليست سوى حلقة جديدة في هذا المسلسل المأساوي، تُعيد رسم خرائط التحالفات وتُلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد والمنطقة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *