اخبار السودان

مسيرات بورتسودان ليست مبتدأ ولا خبر ! السودانية , اخبار السودان

رشا عوض

 

مسيرات بورتسودان ليست مبتدأ ولا خبر !
رشا عوض

ان من اثقل الامور على النفس متابعة يوميات هذه الحرب وتطوراتها وهي تدخل عامها الثالث دون افق لحل عقلاني وانساني يحقن الدماء ويحفظ وحدة الوطن.
لا اتوقف كثيرا عند تقدم هذا الطرف او ذاك في الميدان العسكري، فاي هجوم جوي سواء على بورتسودان او نيالا، اي دخول طرف عسكري الى مدينة جديدة ، كل ذلك لا يعني من وجهة نظري سوى ان طاحونة الحرب ما زالت دائرة تلتهم المواطنين السودانيين وتدمر ممتلكاتهم وتطحن احلامهم الصغيرة والكبيرة بلا رحمة .
الامر الذي ظللت اتوقف عنده منذ الطلقة الاولى في هذه الحرب هو استخلاص الدروس والعبر التي تساعدنا في ان نجعلها الحلقة الاخيرة في مسلسل حروبنا الخائبة التي اورثتنا ما نحن فيه من فقر وتخلف وانقسام وكراهية لبعضنا البعض وتوافق من بيدهم القوة العسكرية القاهرة
على شيء واحد هو قهرنا و تدمير بلادنا !!
الدرس الاهم في هذه الحرب من وجهة نظري هو ان السعي لتحقيق سلام شامل وعادل لا يستثني شبرا من السودان لم يعد مجرد هدف اخلاقي او رومانسي بل هو ضرورة حياة لنا جميعا !
فقد انتهى عهد توطين الحروب في الاقاليم المهمشة وحصر ويلاتها على سكان ظل العقل الجمعي في الشمال السياسي يصنفهم في درجة ادنى من الوطنية والانسانية فلا يشعر بمعاناتهم احد!
ان ما قاسيناه في العامين الماضيين ظل هو الحياة المعتادة لملايين السودانيين على مدى عقود ونحن ( سادين دي بي طينة ودي بي عجينة كانما الحرب تدور رحاها في كوكب اخر)
التطور النوعي في هذه الحرب القذرة هو ان نيرانها عابرة لكل الحدود والتحصينات المادية والرمزية!
لا فرق بين بورتسودان ونيالا ولا بين عطبرة والجنينة ولا بين الخرطوم وكادوقلي ولا بين مروي وكبكابية ولا بين الجزيرة ودارفور!
جميعنا تجرعنا مذلة الحرب من هلع ورعب وتشرد وانتهاكات !
الفروق هي فروق مقدار فقط وهذا المقدار غير ثابت!!
الجيش ظل يستمد قدسيته من كونه يحرس امتيازات الشمال والوسط ، على الاقل في حدودها الدنيا وهي ان ينعم مواطنوه بالامن والسلام ولا تصلهم نيران الحروب التافهة المشتعلة في هذه البلاد منذ عام ١٩٥٥ ، ولكن في هذه الحرب فقد الشمال والوسط هذا الامتياز ! ببساطة لان الجيش ببركات الكيزان فشل هذه المرة في حماية اهل الشمال والوسط انفسهم ! ودخلت نيران الحرب الى بيوت الخرطوم ٢ وقاردن سيتي واحياء امدرمان والخرطوم العريقة وتعفرت اقدام نجوم المجتمع العاصمي واثريائه في معابر اللجوء والطوابير المذلة في المعابر!
هل يعقل بعد هذا الزلزال الذي غير كل شيء ان لا تتغير النظرة الكلية لقضية الحرب والسلام في السودان وان لا يبرز اتجاه مختلف ومنهج جديد في اجتراح الحلول المستدامة والعادلة؟
هل يعقل ان نستمر في تغذية جذور الحرب بمزيد من خطاب الكراهية وتصنيع مزيد من المليشيات ورفع وتيرة تمجيد صناع المليشيات وتتويج المتسببين في الازمة ابطالا! ومواجهة اي خطاب عقلاني يتتبع جذور الازمة بالغوغائية الطائشة والخبل الجماعي الذي يفرض علينا قراءة تاريخ بلادنا من صفحته الاخيرة فقط! وحتى في الصفحة الاخيرة نقرأ سطرا ونتجاهل سطرين!
نقرأ انتهاكات الد.عم السريع ولا نقرأ مطلقا انتهاكات الجيش ومليشيات الاسلامويين!
نقرأ اخبار مسيرات الد.عم السريع ولا نقرأ اخبار طيران الجيش !
نسمح لمن صنعوا الد.عم السريع خصيصا للانتهاكات وشاركوه انتهاكاته بايديهم القذرة في دارفور وسخروا اعلام الدولة ودبلوماسيتها لحمايته والتستر على مجازر الجنجويد الكبرى منذ عهد موسى هلال وصولا الى ( ححميدتي حمايتي) نسمح لهم بالمزايدات الفاجرة في موضوع ادانة الانتهاكات! والمسخرة ان البعض يتواطأ معهم في توزيع قنابلهم الناسفة على القوى المدنية عبر تكريس اكاذيبهم بانها غطاء سياسي للد.عم السريع! يساعدونهم في التنصل من اوزارهم وتحميلها زورا وبهتانا للابرياء !
نقرأ وكالة الد.عم السريع للامارات ولا نقرأ الوكالتين المتصارعتين داخل الجيش! احدهما وكالة مصر الممتدة منذ عام ١٩٢٥ ووكالة ايران الممتدة منذ عام ١٩٨٩ ولا ندري الى اين سيصل صراع هاتين الوكالتين وما هو مصير وطننا الذي تحول جيشه الى حزب سياسي يضم تيارات متصارعة يتزعمها وكلاء اقليميون! جيشنا الذي لم يجد حلا لمليشيا الد.عم السريع سوى تصنيع عشرين مليشيا جديدة!
ما السبب في ان هذا الجيش في احتياج دائم لتفريخ المليشيات؟
ازمتنا السودانية مركبة ومعقدة لن يخرجنا منها عقل بسيط او تبسيطي! لن يحلها التدليس والاحتيال! وطريق الحل يبدأ بادراك حقيقة ان هذه ليست حرب مفاصلة وطنية بين وطنيين وخونة! او مفاصلة اخلاقية حدية بين معسكر الخير ومعسكر الشر! انهاا محض صراع سلطة بين اطراف تتشارك عدم المسؤولية والاستخفاف بحياة الوطن والمواطن، تتشارك القسوة والوحشية اختلافها هو اختلاف مقدار لا اختلاف نوع!
لماذا انحدر السودان الى هذا الدرك الاسفل واصبح مصيره مرتهنا لاطراف هذه الحرب؟ هذا هو السؤال الذي تحتاج الاجابة عليه لعقول كبيرة ونفوس كبيرة! يحتاج الى بصيرة وطنية تنفذ الى عمق الازمة السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية المزمنة والمتراكمة!
البصيرة الوطنية من وجهة نظري هي التي تجعل سلام السودان ووحدته واستقراره وتنميته ورفاه وحرية شعبه هو الهدف المركزي! هو القبلة التي يصلي عليها الفكر السياسي! هو البوصلة التي تهندس الملعب السياسي داخليا و تحدد اتجاه التحالفات الاقليمية والدولية خارجي

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *