معالجة التردي في قطاع الكهرباء تبدأ بتكوين وزارة خاصة بها

محور اللقيا
د. عمر بادي
قطاع الكهرباء تعتريه متلازمة القصور والتردي والإهمال، ليس جرّاء الحرب الحالية فقط، بل منذ عقود خلت، والسبب في ذلك هو عدم منحه صفة الأهمية والإعتبارية من القائمين بالأمر. النمو السنوي في محال توليد الكهرباء معروف عالمياً في كل الأقطار بأنه يعادل 15 17 % من القدرة الكلية للتوليد، بمعنى إن كانت قدرة التوليد الكلية لدولة ما تعادل في هذا العام 10 ألف ميقاواط فلا بد من التخطيط لزيادتها إلى 11.5 ألف ميقاواط في السنة القادمة، وهكذا يتم حساب النمو في توليد الكهرباء للسنوات القادمة. هذه الزيادة السنوية هي لتغطية الزيادة السكانية و الزيادة في العمران والصناعة والزراعة. للأسف لم يكن هذا الأمر مطبقاً في السودان منذ عقود ولذلك لازمتنا القطوعات.
في هذه الحرب الدائرة رحاها حالياً أصاب قطاع الكهرباء دمار ممنهج طحن مكوناته طحناً وجعلها هباءً منثورا. معظم محطات توليد الكهرباء الحرارية تدمرت وصارت خارجة من الخدمة، ومعظم المحطات التحويلية وما بها من محولات كهربائية تدمرت بفعل المسيّرات، ومعظم خطوط النقل والتوزيع أُسقطت أبراجها ونُهبت أسلاكها خاصة أسلاك كوابل النحاس التي تم حفرها من مجاريها التحت أرضية ومن الجدران. إن الكهرباء هي عصب الحياة العصرية فكيف للمواطنين أن يعيشوا بدونها إذا لبوا نداء المسؤولين وعادوا إلى بيوتهم وعماراتهم في ولاية الخرطوم مثلاً، مع إنعدام المياه التي لاقت محطاتها ما لاقته محطات الكهرباء؟
دعوني أتجول بكم في إيجاز في ما عاناه قطاع الكهرباء من قرارت مشبوهة أودت بتقدمه لصالح جهات أخرى:
1ـ في السودان تكونت شركة النور في عام 1908م برأسمال أجنبي، وفي عام 1956م تحول إسمها إلى الإدارة المركزية للكهرباء والمياه، وفي عام 1975م تحول إلى الهيئة القومية للكهرباء والمياه، وفي عام 1982م تحول إلى الهيئة القومية للكهرباء، وكانت في مراحلها تلك تتبع لأمانة مجلس الوزراء إدارياً ومالياً وكانت كهرباء مدن الأقاليم تتبع لوزارة الأشغال.
2ـ في عام 1977م تم تعيين الدكتور شريف التهامي وزيراً للطاقة والتعدين، وذلك بعد المصالحة الوطنية بين حزب الأمة ونظام الرئيس جعفر نميري وكان شريف التهامي من أقطاب حزب الأمة، وهو جيولوجي درس الجامعة في الهند ثم نال الماجستير من أمريكا والدكتوراة من بريطانيا. في عهده تم إكتشاف البترول لأول مرة في السودان في بئر أبي جابرة من حقل الوحدة في جنوب كردفان في عام 1979م بواسطة شركة شيفرون الأمريكية ثم توالت الإكتشافات في حقل الوحدة 2 في عام 1980م ثم في حقلي هجليج وعدارييل في عام 1982م، وأيضاً تم في عهده إكتشاف الذهب في منطقة أرياب في شرق السودان بواسطة شركة فرنسية. إستمرت الهيئة القومية للكهرباء تواصل عملها بينما وزارة الطاقة والتعدين تشرف عليها إدارياً ومالياً وصارت الأولوية في الصرف على إكتشافات البترول والتعدين.
3ـ في عام 2010م تم حل الهيئة القومية للكهرباء بعد الخلاف الذي دار بين مدير عام الهيئة القومية للكهرباء ومدير عام مشروع سد مروي في أمر تبعية الأخيرة للأولى، وتم تكوين وزارة الكهرباء والسدود وإنشاء خمس شركات للكهرباء هي شركة كهرباء التوليد الحراري وشركة كهرباء التوليد المائي وشركة نقل الكهرباء وشركة توزيع الكهرباء وشركة كهرباء السودان القابضة، وصارت الأولوية في الصرف على السدود.
4ـ في عام 2016م تم حل وزارة الكهرباء والسدود وتكوين وزارة الموارد المائية والري والكهرباء وإستمرت حتى قيام ثورة ديسمبر المجيدة وحتى عام 2019م ، وكانت تتبعها شركات الكهرباء الخمس، وكانت أولوية الصرف فيها على الري.
5ـ في عام 2019م أعيدت وزارة الطاقة والتعدين وأُتبعت بها شركات الكهرباء الخمس، ثم تم فصل المعادن عنها وصارت وزارة الطاقة والنفط، وصارت أولوية تعيين الوزير وأولوية الصرف فيها لجانب البترول وعلى ذلك قامت الحرية والتغيير بترشيح وزير دولة للكهرباء ولكن لم يتم قبوله من السلطة التنفيذية.
6ـ هيكلة قطاع الكهرباء لم يتم تنفيذها منذ قيام ثورة ديسمبر المجيدة. كانت هنالك محاولة ولكن تم إلغاؤها. لا زال قطاع الكهرباء يسيطر عليه المعينون بسياسة التمكين منذ عهد الإنقاذ، أما شركات الكهرباء الخمس فقد كتبت مراراً أنها قد زادت من الظل الإداري في القطاع وخلقت تجاذبات في إتخاذ القرار بينها عند حدوث أي أعطال لأنها في حقيقتها أعطال مشتركة وأيضاً لأن العائد من بيع الكهرباء صار لا يجد طريقاً لوزارة المالية، ولذلك كنت طالبت بحلها والعودة إلى الهيئة القومية للكهرباء.
7ـ في معظم دول العالم الأول والثاني والثالث نجد إهتماماً بقطاع الكهرباء ونجد في الدول الفيدرالية شركات للكهرباء تشرف عليها وزارة للكهرباء إتحادية وكذا الحال في الدول التي بها حكومات مركزية تكون بها وزارت للكهرباء. قبل الحرب الحالية كانت القدرة المتاحة لتوليد الكهرباء تعادل 2 ألف ميقاواط بنسبة عجز 60% والآن القدرة المتاحة أقل من 1 ألف ميقاواط. لذلك أوقفوا التلاعب بقطاع الكهرباء وأجعلوا له وزارة للكهرباء تكون لها سيادة القيام بمهامها فيه.
8ـ يجب وقف الحرب التي تؤدي إلى تدمير الكهرباء والبنية التحتية للبلاد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة