امتحانات الإنقسام مبروك للناجحين ولكن السودانية , اخبار السودان


امتحانات الإنقسام مبروك للناجحين ولكن
خالد فضل
تبرز قصة الطالبة شمس الحافظ من الجنينة بغرب دارفور، كواحدة من القصص الملهمة بالفعل، فهي قد أصرّت على تأكيد أنّ المجد للعلم والعقول النيّرة رغم أنف البنادق العقيمة التي تسعى لوأد الحياة، تفوقت الطالبة باحرازها لمرتبة متقدمة في الامتحانات الجزئية لطلاب الشهادة الثانوية في السودان،ـ بعد أن قطعت مسافة أكثر من 2600كلم من مخيم أبشي للاجئين في تشاد لتصل إلى ولاية نهر النيل .
في الواقع ثمّة نماذج مبهرة للصمود والتحدي والإصرار على التقدم في مجال التعليم افرزتها يوميات هذه الحرب . آلاف الأبناء والبنات الذين أدوا الامتحانات في مواقع النزوح واللجوء وأحرز بعضهم/ن نتائج عالية، مئات الذين جازفوا بحياتهم للوصول إلى أقرب مركز امتحان، هناك طالب من غرب كردفان تداولت الوسائط الإعلامية نبأ اعتقاله في دنقلا وهو في طريقه للجلوس للامتحانات واتهم بالتعاون مع الدعم السريع . هناك عشرات منهم تم منعه وصدّه من العبور بوساطة عناصر من الدعم السريع . وهكذا تتناثر القصص الموحية، وهي في مجملها تؤكد على رفض الحرب ومقاومتها بالطرق السلمية والتمسك بقيمة التعليم كمفتاح لمستقبل آمن ومسالم ومزدهر لبلادنا، وهي القيمة التي يفتقر إليها من يتولون قيادة الحريق بعد أن اشعلوا النار في كل أرجاء الوطن وما يزالون في اصرار عنيد يواصلون كأنما دأبهم الإجهاز على بقية بصيص الأمل في النجاة .
تابعت عن قرب تلك الجهود العظيمة التي بذلها نفر من المعلمين/ات في بعض قرى محلية الكاملين بولاية الجزيرة، وقد تطوعوا لتسيير عام دراسي كامل لمراحل التعليم العام الإبتدائي والمتوسط والثانوي، رغم سيطرة قوات الدعم السريع على مناطقهم . اكملوا العام حتى مرحلة عقد الأمتحانات النهائية، وسلموا نتائج جهدهم لمسؤولي التعليم في المحلية والولاية عقب إعادة سيطرة الجيش ومليشياته عليها، ولا أدري هل تمّ إعتماد ذلك الجهد المرموق أم نظر إليه من تثب فوهة البندقية الضيق !! المهم أنّ الطلبة والطالبات وأسرهم في المجتمعات المحلية يقدرون لتلك الثلة من المدرسين/ات ذلك الصمود والإصرار والجهد الموفق، وهذا هو التقدير الأسمى .
عودا على بدء، وكما أشار كثيرون إلى أنّ إجراء الأمتحانات في بعض الولايات دون بقيتها مما يعزز من روح الأستقطابات الحادة، ويوفر بيئة خصبة للإنقسامات بين جهات السودان، جاءت النتائج نفسها تشير إلى شبهات تلاعب . هناك بعض الطلاب من دفعات متقدمة مثل دفعة (2025م) أدوا الامتحاات وظهرت نتائجهم مما يثير الشكوك حول مصداقية حصر أداء الإمتحانات على طلبة الدفعة المؤجلة(2023م)، علما بأنّ بعض الطلبة قد رفضت طلبات إلحاقهم بها وهم من دفعة (2024م) وأكملوا العام الدراسي في بعض دول اللجوء، يبدو أنّ للمحسوبية دور في ذلك، بقراءة ذلك مع ما صرّح به مؤخرا قائد الجيش، ونائبه في المجلس العسكري الإنقلابي، من تفشي الفساد والمحسوبية في دهاليز سلطتهم في بورتسودان . وسيادة العنصرية والجهوية في مؤسسات الدولة كما قال مالك عقار في ندوة ببورتسودان قبل بضعة شهور .
وبهيمنة عناصر العهد المباد على مقاليد تسيير الحكم والإدارة منذ إنقلاب 25أكتوبر2021م، وهيمنتهم المطلقة والعلنية منذ إندلاع الحرب، ومع تأكيدات قائد الجيش على سطوة البنادق وقمع الوسائل السلمية تبدو فرصة عقد الأمتحانات وإعلان نتائجها وما صحبها من لغط كثير وشواهد تضج بها مواقع التواصل الإجتماعي بما في ذلك المطالبة بإعادة إعلان النتيجة كدليل آخر على الهوة السحيقة التي تقود بها البنادق البلاد، مما يستحق الوقوف ضدها وليس تاييدها وتفويضها، إنّ الذين يدعون إلى هيمنة البنادق، إنما يقوضون بالفعل أي مستقبل مرجو لبلادهم . فها هي نتائج الامتحانات الجزئية تعلن بوضوح عن العقلية المستبدة , والفساد المستشري في أهم عصب للحياة وشرايينها قطاع التعليم . الذي استغل كرافعة لبداية التقسيم الفعلي للسودان مع الأسف، في وقت ينشد فيه من أؤتي رشدا ووعيا، وقف الحرب واللجوء للتفاوض كوسيلة وحيدة مأمونة لمعالجة الكوارث التي خلفها نزاع البنادق وتناحرها . ويبقى العشم في جيل الوعي، المتمسك بثورته وأهدافها النبيلة وقيمها الرفيعة (حرية سلام وعدالة ) ودولة مدنية مكتملة الأركان . هذا هو توق الناس الاسوياء رغم غشاوة التضليل الكثيف الذي غطى عقول كثيرين وما يزال . التحية لابنائنا وبناتنا الذين/اللاتي قاوموا كل الظروف وأدوا امتحاناتهم، هم ليسوا مذنبين إنما المجرم من يستغل التعليم للتقسيم وتفتيت البلاد . ومن يستغل الفوضى لممارسة الفساد والإفساد .
المصدر: صحيفة التغيير