اخبار المغرب

بعد واقعة “الأطراف البشرية” .. سكان ابن أحمد يشجبون الإدانة الجماعية

هزّت واقعة العثور على أطراف بشرية بمنطقة بن احمد الرأي العام، وأشعلت موجة تفاعل واسعة في الأوساط الشعبية والإعلامية على الصعيد الوطني، غير أن تداعياتها تجاوزت مشاعر الاستغراب والغضب والاستنكار، لتفتح بابًا لحملة إساءة وتشهير طالت ساكنة المنطقة برمتها.

وبينما تتواصل التحريات التي تباشرها المصالح الأمنية لفك خيوط الجريمة لم تهدأ عاصفة الإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ازدادت حدةً واتساعًا في الآونة الأخيرة، إذ لم يتورع البعض عن إطلاق أوصاف جارحة في حق سكان المنطقة، ناعتين إياهم بالحمقى والمرضى والمضطربين نفسيًا، في مشهد يعمق معاناة الساكنة ويضاعف من وطأة جراحها.

تهويلٌ وتعصّب وتشهير

محمد علالي، ناشط حقوقي وجمعوي من أبناء المنطقة، قال إن “الكلمات تعجز واللسان ينعقد عن التعبير المستحق أمام هول الفاجعة الأليمة التي ارتكبت بهذا الحيز الترابي الهادئ بالقلعة الصامدة ابن أحمد، إذ تركت السكان في صدمة قوية، وارتسمت معالم الذهول على محياهم، بين مصدق ومنكر للمشاهد المتواترة للأفعال الجرمية المرتكبة”.

وأضاف علالي أن “ممثلي المنابر الإعلامية جاؤوا من كل حدب وصوب نحو المدينة لتغطية الخبر وأداء مهامهم النبيلة القائمة على جمع الأخبار وتحليلها، والتحقق من مدى مصداقيتها قبل تقديمها للجمهور، مع الحرص على أخلاقيات العمل الصحفي في تلك الظروف الحساسة، غير أن البعض أداروا لعبة ‘البوز’ وتكالبوا بحرفية الصياد الذي يتصيد ضحياه من العامة”.

وأشار ابن المنطقة إلى أن “بعض المتربّصين استدرجوا مواطنين عاديين وتصيدوا عفويتهم وأخطاءهم، فنفخوا في نار التهويل والتضليل الإعلامي والعزف على وتر التعصب والعنصرية والكراهية، وهو ما ترتبت عليه حملة إعلامية تشهيرية شعواء في حق سكان مدينة ابن أحمد العريقة”.

وبنبرة تعلوها خيبة الأمل قال المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “المعنيين بهذه السلوكات تخلوا عن واجبهم في البحث عن الأسباب الموضوعية لهاته الجريمة، وعن المسؤوليات التقصيرية وترتيب الجزاءات القانونية والإدارية في هذا الصدد”.

وتأسف علالي قائلا إن “عاصمة قبائل امزاب تعرضت طيلة قرون من الزمن لظلم مجالي وإقصاء من السياسات التنموية، بإرادة فوقية تضع المنطقة في اللائحة السوداء رغم أنها قدمت الغالي والنفيس في تحرير الوطن والانخراط في كافة المحطات التاريخية الوطنية، لأن سكانها من الرعايا الأوفياء لملك البلاد”، داعيا في هذا الإطار “دوائر القرار” إلى “مراجعة تحفظاتها قصد النهوض بالمنطقة على كافة الأصعدة”.

“البُوزْ” للتشويه

هشام اودادس، نائب رئيس فرع الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بابن أحمد، قال إن “الأحداث المؤسفة التي شهدتها المدينة يوم الأحد 20 أبريل خلفت جراحا مجتمعية عميقة في قلب المجتمع المزابي الذي يتشكل من فسيفساء قبلية تنتمي في مجملها إلى اتحادية قبائل امزاب، لكن وللأسف الشديد كان تعامل بعض المنابر الصحفية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون المستوى تماما”.

وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أنه “تم تشويه المدينة وسمعة أهلها بحثا عن ‘البوز’ وشارات الإعجاب والمشاهدات، وذلك عبر تصوير لقاءات صحفية مع بعض المواطنين من ذوي المستوى الثقافي المحدود وتصيد أخطائهم واستدراجهم بأسئلة غير بريئة، من أجل تصوير لقطات تلاقي نجاحا باهرا وسط عالم التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأشار ابن المنطقة إلى أن “الحملة المغرضة التي تعرضت لها مدينة ابن أحمد خصوصا، وأبناء قبائل امزاب عموما، تسائل الأخلاق والقيم التي ينبغي أن يتحلى بها ممثلو المنابر الإعلامية والجرائد الإلكترونية؛ أما مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف تلاوينها فلا تخضع لمنطق ولا تتقيد بأخلاقيات في مجملها، لأن همها الوحيد البحث عن التربح ولو على حساب سمعة مدينة بأكملها”.

واستهجن هشام اودادس “كل الحملات الهوجاء والسخرية الممنهحة والتنمر الإلكتروني غير المسبوق على مدينة ابن أحمد وعلى المجتمع المزابي عموما”، مؤكّدا أن “المدينة بخير بفضل رجالاتها وتماسكها المجتمعي، وببساطة أهلها وحبهم الدائم لبعضهم البعض، وبتمسكهم في المجمل بالقيم والأخلاق الحميدة ووطنيتهم الصادقة”.

تعميم وسذاجة

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “السذاجة الفكرية تُعد من أبرز مظاهر التفسير غير العلمي للجرائم التي تقع داخل المجتمع المغربي، إذ يُلاحظ أن العديد من الأشخاص يلجؤون إلى ربط السلوك الإجرامي بالانتماءات الإثنية أو الدينية أو الجغرافية”.

وأضاف المتحدث ذاته أن “هذا الربط الساذج ناتج عن عدم قدرة الأفراد على تفسير الجرائم من خلال العوامل السيكولوجية والمرضية المرتبطة بالشخص مرتكب الفعل الإجرامي، ما يدفعهم إلى إصدار أحكام مبنية على الانتماء الجغرافي، كما يحدث في بعض البلدان الغربية عندما تُربط الجرائم التي يرتكبها مسلمون بالدين الإسلامي”.

وأوضح السعليتي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التفسير السطحي للجريمة غالبًا ما يؤدي إلى تعميم الصور النمطية على سكان منطقة معينة، وهو أمر في غاية الخطورة لأنه يؤثر على إدراك سلوك الأفراد، ويضر بالعلاقات الاجتماعية والتواصل داخل المجتمع”.

وأشار الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “ربط الجريمة بمنطقة جغرافية معينة، مثل ما وقع بابن أحمد مثلًا، يُعد شكلًا من أشكال التصنيف الوهمي، وكأن الأفراد المنتمين إلى هذه المنطقة يشتركون في خصائص سيكولوجية موحدة، ما قد يؤدي إلى تصورات خاطئة تُعمم على الجميع، رغم أن كل منطقة تضم أشخاصًا أسوياء وآخرين يعانون اضطرابات عقلية”.

وأكد مصطفى السعليتي أن “أخطر ما يمكن الوقوع فيه من منظور علم الاجتماع هو هذا التصنيف الساذج، الذي يُوضع فيه جميع الأفراد في خانة واحدة، بينما الحقيقة أن الإنسان المجرم يوجد في كل زمان ومكان، وتفسير سلوكه ينبغي أن يتم استنادًا إلى تاريخه الشخصي، وعقده النفسية، ودوافعه الذاتية، بعيدًا عن أي ربط ثقافي أو إثني أو ديني أو جغرافي”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *