اخبار السودان

الأسلاميون والبرهان

حافظ يوسف حمودة

 

 

الإسلاميون والبرهان : ورقة ضغط أم مشروع حكم ؟

منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ في أبريل 2019م ، دخل التيار الإسلامي في السودان مرحلة دقيقة ومفصلية ، اتسمت بالتفكك التنظيمي والتنازع الداخلي ، وسط مساعٍ حثيثة للعودة إلى الواجهة السياسية والعسكرية . ورغم تراجع شعبيتهم بعد سقوط البشير ، أعادت الحرب المشتعلة منذ عام 2023م بعض أدوارهم إلى السطح ، وفتحت الباب أمام تساؤلات واسعة عن مستقبلهم في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة .

 

لا يزال الإسلاميون يحتفظون بحضور غير معلن داخل المؤسسة العسكرية ، مستفيدين من خبراتهم التنظيمية وقدرتهم على الحشد والتعبئة ، لا سيما في الحرب ضد قوات الدعم السريع . وقد سمح لهم الجيش بهامش من الحركة خصوصاً عبر تيار علي كرتي الذي برز كأكثر التيارات نفوذاً في اللحظة الراهنة . غير أن هذا الحضور ظل تكتيكياً في نظر القيادة العسكرية ، دون أن يتحول إلى شراكة معلنة ، إذ يدرك البرهان حساسية الشارع السوداني تجاه عودتهم ، كما يدرك أن أي تقارب معلن معهم سيثير قلقاً كبيراً لدى العواصم الإقليمية والدولية .

 

وبعد حل حزب المؤتمر الوطني ، تفكك الإسلاميون إلى تيارات متعددة ، أبرزها تيار كرتي الذي لا يزال يحتفظ بشبكات قوية داخل السودان وخارجه ، إلى جانب مجموعات أخرى أقل تأثيراً ، وتيارات إصلاحية شبابية تطالب بإجراء مراجعات جذرية للتجربة ، لكنها لم تحظَ بقاعدة جماهيرية عريضة بعد . ورغم التعدد ، يظل تيار كرتي هو الأقوى تنظيماً والأكثر قدرة على التمويل وبناء خطاب سياسي متماسك ، في ظل غياب رؤية موحدة لبقية التيارات .

 

سياسياً ، يعاني الإسلاميون من فراغ فكري حاد ، إذ لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم مشروع جديد يتجاوز شعارات الماضي ، في وقت يحاول فيه بعضهم التسلل مجدداً عبر واجهات مدنية ومنظمات مجتمع مدني . غير أن هذا الحراك يفتقر حتى الآن إلى الزخم والقبول الشعبي.

 

على الصعيد الإقليمي والدولي ، لا تحظى عودة الإسلاميين بدعم يُذكر . فالدول المؤثرة مثل مصر والسعودية والإمارات لا تخفي تحفظها على أي دور سياسي لهم ، فيما خففت تركيا وقطر من دعمها السابق ، بعد أن غيّرتا أولوياتهما الاستراتيجية . أما الغرب ، فيربط أي دعم سياسي أو اقتصادي للسودان بإبعاد الإسلاميين تماماً عن المشهد .

 

وفي ما يتعلّق بموقف الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، فإنه يتسم بالبراغماتية والمرونة الظرفية . فهو يستثمر وجودهم في الحرب كرافعة تعبئة وخطاب داعم للجيش ، لكنه يحرص في الوقت نفسه على طمأنة الداخل والخارج بأنه لا يسعى لإعادتهم إلى الحكم . وتأتي تصريحاته المتكررة في هذا الإطار ، لا بوصفها موقفاً مبدئياً ، بل كجزء من مناورة سياسية توازن بين ضرورات الحرب ومقتضيات المخاوف الدولية والإقليمية .

 

ورغم ما يظهر من تحالف ظرفي بين البرهان وبعض التيارات الإسلامية ، فإن قدرة هذا التحالف على الاستمرار تظل رهناً بانضباط الإسلاميين واحترامهم للخطوط الحمراء التي يفرضها الواقع السياسي والعسكري. لكن هذا الانضباط يبدو هشاً في ظل الانقسامات العميقة داخل الإسلاميين ، وتعدد مراكز القرار ، ووجود تيارات متهورة تسعى لفرض أجندتها بأي وسيلة ، حتى وإن كان الثمن هو نسف هذا التحالف . كما أن طموحات بعض رموز النظام السابق ، إلى جانب اندفاع العناصر الشبابية ، قد تدفع نحو تجاوز المسموح به ، ما يفتح الباب أمام صدام محتمل مع الجيش ، وربما مواجهة وشيكة لا تُبقي على شيء من هذا التوازن الهش .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *